الهوية الحرطانية من المظلومية إلى المشروع الوطني الشامل

شهدت نهاية الأسبوع الماضي نقاشًا فكريًا مهمًا أثاره رفاقي المهندس البارع محمد جبريل والمفكر المتميز عباس برهام. ولولا كثرة المشاغل والظروف الوبائية التي تشهدها المستشفيات في هذه الأيام، لما تخلفت عن المشاركة في هذا الحوار العميق الذي جمع نخبة من العقول المبدعة. لقد أعاد رفاقي إلى الفضاء الفكري على منصات التواصل الاجتماعي القه، بعد أن طغت عليها التفاهة واحتله مروجو الوهم ومشاهير العبث، مما أدى إلى انحسار صوت العقل وتراجع دور المثقف، فتجمدت منابع الفكر، وزادت الضبابية في المشهد التنظيري السياسي، و انسلخت النخب من دورها التاريخي في تنوير الرأي العام.

 

وكمتحرطن ومهتم بالشأن السياسي، أرى أن مستقبلنا السياسي مرتبط بتحديد معالم الهوية الحرطانية، التي تتميز بتعدد أبعادها وروافدها، ولكنها في الوقت ذاته تحمل خصوصية تاريخية ومصيرية تجعلها خصبة من الناحية السياسية. هذه الهوية يمكن أن تشكل أساسًا لحراك شعبي يضم جميع أصحاب المظالم التاريخية، خصوصًا في ظل التراجع الذي يشهده التنظير السياسي المحلي، وانحسار النظريات السياسية الكبرى التي كانت تُغذي المشهد السياسي الوطني و العالمي.

 

إن ضرورة تجديد الخطاب السياسي تتطلب إعادة الاعتبار لعناصر الهوية الحرطانية وتحريرها من التوظيف السلبي الذي لحق بها عبر التاريخ. فهي، مثل غيرها من الانتماءات ، تمثل جزءًا جوهريًا من الهوية الوطنية الشاملة التي عجز مشروع الدولة الوطنية عن بلورتها بسبب تغليب الاعتبارات السياسية الضيقة على قيم العدالة والمواطنة ، وقد أدى هذا العجز إلى شعور واسع بالخيبة دفع كثيرين للجوء إلى المشاريع الهوياتية كبديل. كما ساهمت السياسات القمعية للأنظمة المتعاقبة، واستغلال النفوذ القبلي، وتوريث المناصب، إلى "حرطنة" أغلب مكونات المجتمع الكادح هذه الوضعية تجعل الحديث عن الهوية الحرطانية حديثا سياسيا أكثر من ماهو نقاش انتروبولوجي أو شرائحي.فخصوصيتها السياسية المتجسدة في كونها هوية مظلمية تجعلها أكثر تأهيلا لتكون جسرًا لحوار وطني شامل وأداة لإعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي ونواة صلبة لمشروع وطني يوطد العلاقة بين المواطن والدولة، قائم على أسس راسخة من الحقوق والواجبات.

 

ولتحقيق هذا الطموح، يتطلب الأمر انفتاحها على آفاق جديدة سعيا لتوحيد الطبقة المطحونة من جميع مكونات المجتمع تحت راية المواطنة والعدالة والمساواة، بعيدًا عن الانقسامات. بهذه الرؤية، تتحول الهوية الحرطانية إلى دعامة أساسية لبناء مستقبل أكثر إنصافًا وعدالة، ستساهم في إشراق المشهد الوطني.

 

جمعة, 17/01/2025 - 12:46