سبق أن تحدثت عن هذا الجبل الشامخ، شيخ شيوخ الطائفة، وأمير االمقاومة في بلاد شنقيط، وعالم العلماء فيها، في رسالة من رسائل المقاومة دبجها بخطه رحمه الله تعالى، واليوم أعود إليه، لأظهر بعضا من جوانب حضوره في مدينتي العريقة مدينة شنقيط العامرة، فقد احتفظت مكتباتها بغير قليل من مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة، وآية ذلك ما طالعته في فهرس مخطوطات مكتبة آل أحمد محمود، ولا عجب فسلف هذه الأسرة يعدون من مريديه رحمهم الله جميعا، وهذا مثال على ذلك وهو قصيدة محمد البشير بن البخار بن أحمد حمود الموسومة" بحجة المريد في الجهر بالذكر على المريد"، والتي يقول في مقدمتها:
الحمد لله الذي قد أمرا ## بالأمر بالعرف وذم المنكرا
إلى أن يقول:
وفي طريقة لشيخنا على ## من رام إنكارا لها وبالقلى
وليسوا وحدهم فقد تعرفت من خلال معايشتي لوثائقأسر أهل شنقيط على بعض المريدين الذين كانوا يوقعون بمقولة مشهورة عندهم وهي:" خديم المعينية" ومن بين هؤلاء: سيد أحمد بن عبد الرحمن الملقب اعبيدت بن سيد محمد حبت، وأخوه سيد محمد وكلاهما كان موثقا بارعا شهدت لهما وثائق المدينة وعلامتهما السابقة، ومثلهما محمد المصطفى بن محمد الأمين بن حنبوب(1335ه)، فكان هو الآخر ينهي وثيقته بتلك السمة المتميزة. ولا نعدم شخصيات أخرى في هذا المجال.
أما ذكره ببعض أوصاف القيادة فقد طالعت وثيقة للعلامة سيد محمد بن أحمد بن حبت، تصفه بتلك الصفات مثل: "الشيخ ماء العينين الذي هو قطب الدنيا" ضمن فتوى كتبها عن بعض قضايا أهل شنقيط.
ومن الشخصيات التي عرفت بمقاومة النصارى،وبعلاقتها مع الشيخ، وبحضورها في مدينة شنقيط، نذكر المقاوم سيد المختار بن ألفق الطاهر مريد الشيخ ماء العينين، وقد تزوج هذا المقاوم إحدى شريفات مدينة شنقيط، ولم يستطع أن يمكث في المدينة طويلا، بسبب النصارى الذين كان المتوقع منهم المجيء إليها في سنة 1327ه، فقد خرج منها خائفا يترقب واتجه إلى مرابضالقوم، ومكان إقامة الشيخ، وكان حينها أيضا قادما من غزوة كانت نحو النصارى في ناحية تكانت، والركيب. وعلى هذا الأساس شهد القاضي محمد البشير بن البخار بن أحمد محمود على عدم إمكانية إتمام بقية الأسبوع مع زوجته الطاهرة، فقد مشى عنه قومه المرافقون له في سفره المتلبس به في الوقت المذكور.
ونختم هذه العجالة الفكرية، بما وقفت عليه مكتوبا من تقريظ لكتاب الموافق وضمن نسخته القابعة في مكتبة أهل الطفيل بن السبتي في مدينة شنقيط؛ حيث أنشدأحمد محمود بن عبد الله بن أحمدُ بن محمد سالم قصيدة يمدح بها الكتاب حين قال:
عين رودي ماذا الذي قد بدا لي ## عم نورا في الأفـــــــــــــــــق باد التِّلالِ
أهو الشمس بالضحى غِبُّ دَجْنٍ ## أم سَنَا البَدْرِ فــــوقَ بِيضِ التِّلاَلِ
إلى أن يذكر حضرة الشيخ باسمه، حيث يقول:
أمْ هُوَ الشَّيْخُ مَاءُ العُيُونِ المُفَدَّى ## أَيْنَعَتْ غُصْنُهُ أُصُولُ المَـــــــــــــــعَالِ
أَبْرَزَتْ فِكْرِي نُقُولاً صِحَاحًـــــــــــــــــــــــــا ## سُمْكُهَا فَصْلُ عِزِّ كُلِّ مَــــــــــــــــقَالِ
والقصيدة نادرة، وما ذكرناه فيه مقصد المقال. ونشير هنا إلى أن هذه القصيدة كتبها مؤلفها ضحوة الثلاثاء 23 من جمادى الأخير عام 1326ه. حينما انتهى من نسخه للكتاب، ولا شك أنه من مريدي الشيخ المعجب بحضرته، وبغزير علمه المثبت في ذلك المؤلف الممتع.
إن ما أثبتناه هنا يعد جزءا من كل، قصدنا به إثارة بعض القضايا التي تناقش ثقافة مدينة شنقيط، والتي كانت مطروحة على بساط البحث في الأيام الماضية، ولا تزال تحتاج في نظرنا إلى تعميق البحث والاستقصاء، وإماطة اللثام عما هو قابع في مكتبات المدينة مما لم تصل إليه أيدي الباحثين، فالميدان ما زال بكرا، والبحث متواصل، ولنا بحول الله جولات فيما هو غائب، وما هو غير متاح لجمهرة الباحثين.