شهد معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ 43 التي انطلقتْ تحت شعار "هكذا نبدأ" توقيع الروائي الموريتاني محمد ولد محمد سالم روايته الأخيرة "فتنة الربض"، والتي صدرت حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الرواية التي تعتبر السادسة في رصيد الكاتب حتى الآن.
ما يميز هذا العمل الروائي أنه يستلهمُ من وقائع تاريخية مستعصية، ليروي أحداث ثورة الأرباض في قرطبة بزاوية مبتكرة، تجمع بين الواقع التاريخي وأسلوب السرد المعاصر، حيث تنطلق أحداث الرواية في لحظة عثور الكاتب على نص قديم لكاتب مجهول، يوثّق أحداث ثورة سكان ضواحي قرطبة على الأمير الأموي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، والتي اندلعت سنة 202 هـ/817 م، النص غير معروف مصدره ولا من كتبه، الأمر الذي مكّن ولد محمد سالم من كتابة عمل معاصر يحكي بلغةٍ سلسة وفيها مرونة وغير متكلفة وقائع وأحداث حصلت قبل مئات السنين.
كذلك تميزتْ الرواية بتعدد قصصها الثانوية التي تخدم القصةَ الرئيسية، ما يذكرنا بمنهجية إرنست هيمنيجواي التي أسماها "جبل الثلج" أي أن الأحداث التي تروى هي ذلك الجزء الواضح فوق الماء من الجبل الجليدي وفي العمق معظم الجبل لا يراه إلا من يغوص، وإن نظر القارئ لـ " فتنة الربض" بهذا المنظار، بلا شك سيكتشف آفاقاً مدهشة لم تكنْ لتأتي على باله.
أخيراً شخصيات الرواية رسمتْ بحرفية عالية، وتطورت بشكل طبيعي بتطور الحبكة، وتشابكتْ فيما بينها في خضم الصراع، بلغةٍ مشحونة بالعواطف، تصيب أهدافها في خلق شخصيات لا تنسى، كشخصية النجار حاييم الإشبيلي، والفقيه طالوت بن عبدالجبار المعافري، وبالطبع شخصية الراوي الذي على لسانه تُحكى قصة تلك الثورة وما فعلته في الذين شاركوا فيها، شخوص الرواية المتخيلين.