التدريب سمة من سمات العصر لأنه حاجة أساسية للتطوير وتحسن الأداء وجودة الإنجاز على مستوى الفرد والمؤسسة فهو يرتبط اليوم بأية عملية إصلاح مؤسسي أو تطوير وظيفي. والتدريب اليوم ليس سياحة ولا ترفا بل هو ضرورة من ضرورات البناء المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي ووسيلة لا غنى عنها لتحقيق الأهداف المستقبلية لأية مؤسسة طموحة خاصة مؤسسات التمويل الإسلامي.
تعريف التدريب
التدريب لغة: درب فلان بالشيء ودربه على الشيء: عوده ومرنه.
أما اصطلاحا فهو عبارة عن نشاط منظم يركز على الفرد لتحقيق تغير في معارفه ومهارته وقدراته لمقابلة احتياجات محددة في الوضع الحاضر أو المستقبلي في ضوء متطلبات العمل الذي يقوم به الموظف وفي ضوء تطلعاته المستقبلية للوظيفة التي يؤديها خدمة للمصلحة العامة.
وبشكل عام فالتدريب يحسن الأداء، ويطور الخبرات، ويكسب المهارات، في جميع مجالات الحياة سواء على المستوى الشخصي أم مجالات العمل، وقد تطور مفهوم التدريب عن المفهوم القديم التقليدي، الذي كان يقتصر على تنظيم الدورات التدريبية لإكساب الأفراد المعارف والارتقاء بمهاراتهم وطريقة أدائهم وتحفيز قدراتهم وإمكانياتهم، وترجمة معلوماتهم النظرية إلى واقع تطبيقي، بهدف تحسين مستوى العمل، وزيادة الإنتاجية، والوصول إلى حياة أفضل بشكل عام.
تضمن التعريف العناصر التالية:
- أهمية التدريب بصفته مصدرا للمعرفة واكتساب المهارات
- التدريب عملية مستمرة
- التدريب يعالج أمورا ومشاكل العمل في الحاضر والمستقبل
- التدريب مرتبط بالتخطيط
- التدريب يهدف لبناء حياة أفضل
ويمكن تقسيم التدريب إلى قسمين رئيسين:
التدريب الشخصي: ويهدف إلى تطوير الذات، وتحقيق الأهداف الشخصية، في أي مجال يرغب فيه الشخص المتدرب بتحسين أدائه ورفع إنجازه.
التدريب المهني: وهو تمكين المتدرب من المهارات الخاصة التي تتطلبها مهنته أو وظيفته، وجعله أكثر فاعلية وكفاءة وإنجازا.
كما ينقسم من حيث الموقع إلى قسمين:
التدريب أثناء العمل: On-The-Job Training
وهو التدريب الذي يتم على رأس العمل أي في الموقع الطبيعي للعمل وذلك باستخدام الأدوات والأجهزة والوثائق التي يمكن أن يستخدمها المستفيدون من التدريب بعد إكمال التدريب.
- التدريب خارج العمل
Off-The-Job Training وهو التدريب الذي ينظم خارج موقع العمل. ومن مزايا هذا النوع من التدريب أنه يمكن المتدرب من التركيز على موضوع التدريب بعيدا عن ارتباطات العمل اليومي.
والتدريب الناجح يقوم على عدة مرتكزات من أهمهما:
- تحديد الاحتياجات Needs assessment
- التخطيط
- توفير الموارد المالية المناسبة
- إعداد برنامج مستمر للتدريب
- المتابعة
تحديد الاحتياجات
لا يمكن تحقيق الأهداف المنشودة من أي برامج تدريبية دون تحديد الاحتياجات، فلا بد لكل وحدة في المؤسسة أن تحدد احتياجات العاملين فيها من حيث تحسين الخبرة وتعزيز المهارات وتوسيع المعارف، بهدف تطوير الأداء وتحسين الإنتاج بشقيه الكمي والنوعي.
ويجب أن تشمل عملية التحديد هذه ثلاثة أصناف من الاحتياجات:
- الاحتياجات المرتبطة بمجال عمل الوحدة المعنية وتخصص الموظف مثل تطوير معارفه في مجال التدقيق الشرعي مثلا، إن كان مدققا شرعيا.
- الاحتياجات في مجال معرفة مفاهيم وأساسيات ومبادئ التمويل المصرفي والتخلق بأخلاق بالنسبة للمؤسسات المالية الإسلامية.
- احتياجات عامة تتعلق بمهارات إدارة الوقت ومهارات الاتصال ومهارات الكتابة (Writing skills) والعلاقات الإنسانية.. ومهارات التقديم والعرض Presentation skills ومهارات تحديد القدرات ومهارات البحث والعمل ضمن الفريق Team Work..
وعلمية تحديد الاحتياجات عملية مشتركة لكنها تعتمد بالأساس على المستفيدين أنفسهم لأنهم الأقدر على التعبير عن احتياجاتهم وتطلعاتهم والأعرف بالمجالات التي تحتاج إلى تحسين وهذا لا يلغي طبعا أهمية مشاركة رؤسائهم في عملية التحديد لمعرفتهم بأحوال موظفيهم..
يقول جالبرت جيلي شارحا الاتجاه غير التقليدي للتدريب:
"الرؤية أو وجهة النظر غير التقليدية تقرر أن الأعضاء هم الأقدر على تحديد وتقرير الخصائص والاحتياجات الفريدة للمهنة. وبسب هذا الإدراك فإنهم أكثر قدرة على تحديد العناصر الضرورية التي تشكل ما يعتقدون أنه يمثل مهنة".
ويمكن تحديد ملامح الاحتياجات التدريبية من خلال أربع خصائص رئيسة هي:
- مجال (مكان التدريب) تنظيما أو تخصيصا
- الفوائد المرجو تحقيقها
- طبيعة الفجوة التي يغطيها التدريب
- الإطار الزمني لمردود التدريب
وقد شبه الدكتور عبد الرحمن توفيق عملية تحديد الاحتياجات التدريبية في العديد من المؤسسات بمن يملك قطعا من الشطرنج ولا يعرف كيف يلعب بها أو على أحسن تقدير يعرف كيف يلعب دون أن تكون لديه لوحة اللعب المقسمة ذات المربعات البيضاء والسوداء اللازمة لتحريك هذه القطع باتجاه الهدف.
توفير الموارد المالية
لا يتحمس بعض المعنيين بإدارات الموازنات في بعض المؤسسات لتوفير الموارد اللازمة لإعداد وإكمال البرامج التدريبية بحجة ضغط النفقات وتصبح المسألة كالعلاقة بين البائع والمشتري ويتحول الأمر إلى مساومات.. وهذا يوحي بأن بعض المسؤولين لم يستوعبوا أهمية التدريب وضرورته للارتقاء بالعمل وأنه لا يمكن للمؤسسات أن تنافس بقوة في السوق إذا لم توفر الموارد اللازمة للتدريب.
كما أن بعض المسؤولين يماطلون في ترشيح الموظفين للدورات التدريبية وربما لا يوافقون للموظف إلا على دورة واحدة في السنة الواحدة بل وأحيانا يعتذرون عن ترشيحه ولو لدورة واحدة بحجة أن ذلك يؤثر على العمل أو عدم كفاية الموارد المالية.
وهكذا تصبح المسألة صراعا بين التدريب والعمل ونقص الموارد المالية، والواقع أنه لا صراع بين الاثنين، بل تكامل في إطار خطة شاملة.
فتطوير العمل يتطلب التدريب المستمر وهذا يتطلب توفير الموارد اللازمة وكل هذا يصب في خدمة الخطة الشاملة لتطوير أداء المؤسسة وتحقيق أهدافها، فإذا اقتضت مصلحة العمل الإنفاق على التدريب فيجب توفير ما يلزم وإذا اقتضت مصلحة العمل تدريب الموظف ولو لفترات طويلة فيجب تنفيذ ذلك.
ولعل الذين لا يتحمسون لتوفير الميزانيات اللازمة لبناء برامج ناجحة للتدريب إنما يستندون إلى المفهوم الخاطئ الذي يصنف بموجبه التدريب على أنه إنفاق وحقيقة الأمر أن الصرف على التدريب يعد استثمارا إن خطط للعملية تخطيطا سليما وأديرت بشكل علمي وعملي.
بل إن تخفيض ميزانيات التدريب بحجة تخفيض الانفاق قد يأتي بنتائج عكسية. يقول الدكتور عبد الرحمن توفيق في تحليله لواقع التنمية البشرية في بعض الدول:
"تجدر الإشارة إلى أن ميزانيات التدريب قد تعرضت للتخفيض الحاد كأحد أساليب الإدارة (لترشيد النفقات) هذا الشعار الذي طالما استخدم للحد من التكاليف الضرورية وغير الضرورية، الذي أحيانا ما استخدم بما انعكس سلبا على الإنتاجية الكلية للمؤسسات التي سارعت لتطبيقه".
البرامج التدريبية
بعد مرحلة تحديد الاحتياجات وإعداد الخطط وتوفير الموارد المالية تأتي مرحلة إعداد برامج مستمرة للتدريب لتلبية الاحتياجات والاستجابة لأهداف المؤسسة.
ويجب أن يتميز البرنامج التدريبي الناجح بالاستمرارية المخطط لها بإتقان بما يكفل تزايد قدرات الموظفين ونموها المطرد وإتاحة الفرصة لتقويم المتدربين وتوزيعهم على المجالات المختلفة بعد إعدادهم وتأهيلهم.
كما يجب مراعاة جملة عناصر لتصميم برامج تدريبية ناجحة مثل أسلوب التحفيز والقدرة على معايشة هموم المتدربين ومراعاة الفروق الفردية، فالمتدربين تجمعهم المؤسسة لكنهم يختلفون من حيث خبراتهم ودرجة ذكائهم ومواهبهم ومستوى تفاعلهم وقدرتهم على التواصل.
كذلك من الضروري الاختيار الجيد للمدربين ومعدي المواد التدريبية من حيث خبراتهم وقدرتهم على إيصال المعلومة بالشكل الذي يحقق الهدف باستخدام أساليب التشوق كضرب الأمثلة وسرد القصص المعبر وذكر حوادث محددة وأرقام وإحصائيات ما يحفز المشاركين على إبراز ما لديهم من هموم وأفكار ويمكنهم من استيعاب المادة على الوجه المطلوب.
مرحلة التقويم والمتابعة
بعد تنفيذ البرامج التدريبية لا بد من عملية تقويم ومتابعة للحكم على النتائج وربطها بالأهداف ومحاولة تقييم ما حصل من تغيير على مستوى أداء الموظف وإنتاجه ومعرفة أوجه القصور والخلل في البرامج التدريبية للاستفادة من ذلك مستقبلا.
أهمية التدريب في المؤسسات المالية الإسلامية وخصوصيتها.
تحتاج المؤسسات الإسلامية مثلها مثل المؤسسات المالية التقليدية بل وكل مؤسسة إنتاج أي كانت طبيعتها إلى التدريب وتطوير مهارات العاملين فيها أو بعبارة أخرى الاستثمار المدروس في الموارد البشرية بل إن هذه المؤسساتربما تحتاج أكثر من غيرها للتدريب نتيجة لخصوصيتها.
خصوصية التدريب في البنوك الإسلامية
كثير من العاملين في البنوك الإسلامية ليست لديهم فكرة محددة عن مفاهيم أساسية تشكل جوهر الفروق بين النظامين الإسلامي والتقليدي مثل الربا والغرر والتدقيق والمراجعة الشرعيين..
لذلك يتعين على البنوك الإسلامية إعداد برامج تدريبية تركز على المحاور المرتبطة بنشاط هذه المؤسسات مثل:
- الإلمام بالقواعد العامة للاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات
- الإلمام بمقاصد الشريعة خاصة في المعاملات المالية
- الإلمام بالفروق الجوهرية بين النظامين الإسلامي والتقليدي
- الإلمام بأسس ونظام الحوكمة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية
وخلاصة الموضوع أن عملية التدريب يجب أن تنتج القائد أو الموظف أو العامل في المؤسسة المالية الإسلامية الذي يتميز بالهمة العالية من خلال قوته وأمانته واستقامته ويثابر على زيادة علمه ومعرفته وتطوير مهاراته بما يخدم الأهداف العامة للمؤسسة ضمن رؤية استراتيجية واضحة ويتأكد الأمر بالنسبةللمؤسسات التي يناط بها تحقيق وتعزيز أهداف التنمية المستدامة.
أو لنقل إن التدريب هو الاتقان- إتقان العمل أو المهنة فقد ورد في الحديث: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)).
وكما قال جابر بن حيان: " من كان دربا كان عالما ومن لم يكن دربا لم يكن عالما، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع"... والاتقان مطلوب اليوم لأن التدريب أصبح متطلبا أساسيا للنهضة التنموية الشاملة.
ولعل أفضل ثمار التدريب هو التمكن من الإدارة الصحيحة للوقت وتوزيعه بعدل وإنصاف بين أصحاب الحقوق كما بين سلمان لأبي الدرداء رضي اللـه عنهماوأقره النبي صلى اللـه عليه وسلم على ذلك: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فقال النبي ﷺ: ((صدق سلمان)).