قرأت مقالا للدكتور محمد الرميحي نشر في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 11 أكتوبر 2024 تحت عنوان: «عام على الطوفان".
والدكتور الرميحي ليس شخصا عاديا فهو من كبار المثقفين العرب المعروفين وله حضور على الساحة الأكاديمية والثقافية وهو أستاذ جامعي ويكفيه أنه كان رئيس تحرير مجلة "العربي" التي ربما كانت أشهر المجلات العربية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لذلك فما يكتبه الدكتور الرميحي يستحق التوقف عنده خاصة إذا تعلق الأمر بقضية فلسطين التي كانت يوما ما قضية الأمة الكبرى او قضيتها المركزية.
بدأ الكاتب مقاله بمدخل يوحي، بادي الرأي، بأنه سيقدم معالجة موضوعية للطوفان:
"القارئ ليس بحاجة إلى أحدٍ يستعرض له أحداث العام المنصرم منذ 7 أكتوبر 2023، فهو مطلع ومتابع من خلال وسائل متاحة عربية وعالمية، وأي متابع لهذه الوسائل، بخاصة العربية، يعرف أن الرأي العام العربي منقسم حول تقييم ما يحصل من صراع، سواء في غزة أو أخيراً في لبنان".
لغاية الآن لا خلاف تقريبا على ما كتبه الدكتور الرميحي.
ويكمل الدكتور المدخل قائلا:
"إن أخذنا ببعديْ المعادلة، سوف نرى أن في طرف منها يرى كثيرون أن الانتصار قد تحقق، وأن إسرائيل قد خسرت وكثير من سكانها هاجروا أو يعدون حقائبهم للرحيل. تلك وجهة نظر موجودة ولا يستطيع أحد تغييرها، فهي مبنية في الغالب إما على معلومات، ربما غير دقيقة، أو تمنيات تراكمت على مر العقود".
يوحي منطوق ومفهوم هذه الفقرة، ونحن ما زلنا في المدخل، أن الكاتب يرسل رسائل إلى القارئ العربي مفادها أن دولة الاحتلال لم تتضرر وأن من يقول ذلك إنما يعتمد على معلومات غير دقيقة أو على تمنيات ... وهذه دعاية تقدم مجانا للمحتل.
ويضيف الكاتب:
"وجهة النظر الأخرى تقول إن النتيجة النهائية لهذا الصراع هو نهاية « حماس » المقاتلة، ومعها « الجهاد الإسلامي» ، وتبقى «حماس» في المنفى، كما هي نهاية «حزب اللـه» المسلح وقد يبقى بعض منه كجماعة سياسية، من ضمن جماعات أخرى في لبنان، وهي وجهة نظر فيها من الصحيح ما يقنع، وربما فيها من المبالغة ما لا يقبله الطرف الآخر".
في الشق الأول من المدخل نفى الكاتب أن تكون إسرائيل- دولة احتلال- قد خسرت، أما في الشق الثاني من المدخل فقد أشار فيه إلى وجهة نظر تقول بنهاية المقاومة، وأكد أن في وجهة النظر هذه من " الصحيح ما يقنع".
وهكذا قفز الكاتب في المقدمة إلى الخلاصة التي أرادها وهي أن دولة الاحتلال لم تخسر وأن المقاومة انتهت تقريبا.
وبعد المدخل استعرض الكاتب عدة نقاط تحت عنوان فرعي:
"الحقائق على الأرض تقول لنا الآتي":
في (أولا) أشار الكاتب إلى التفوق التقني لدولة الاحتلال -هو طبعا لم يسميها دولة احتلال- وذكر ضربات البيجر والاتصالات في لبنان وأن ذلك العمل خطط له قبل سنوات...
وهذا لا خلاف عليه، وإن كان الهدف منه على ما يبدو تأكيد الكاتب على إخافة المقاومين من دولة الاحتلال وتثبيط عزائمهم.
وفي (ثانيا) أشار أيضا إلى ما حصل من تدمير في غزة وحجم معاناة السكان وهذا أيضا لا خلاف حوله ، ولم ينس التشهير بالمقاومة والتقليل من مستوى أدائها:
"مع مقاومة تحت الأرض يتضاءل فعلها".
أما في (ثالثا) فقد تحدث الكاتب عن مظاهرات تخرج في " مدن إسرائيل" تنديدا بعدم إعطاء الأولوية للأسرى لدى حماس وأن المتظاهرين يعودون إلى منازلهم أما في غزة وبيروت فيرى الكاتب أنه لا أحد يجرؤ على الاعتراض ولم ينس الكاتب أن يختم الفقرة بجملة تتضمن مقارنة مآلها تمجيد دولة الاحتلال: "ذلك فرق يتوجب أن يوضع في حساب الربح والخسارة".
ما ذهب إليه الكاتب هو قياس مع الفارق، فدولة الاحتلال قلعة محصنة تزودها الولايات المتحدة ومعها الغرب بأحدث الأسلحة ووسائل الحماية وعندها ملاجئ محصنة وأحاطت نفسها بجدر طويلة وسميكة أما أهل غزة فهم تحت الاحتلال يتعرضون لحرب إبادة وليس لهم ترف تنظيم المظاهرات فهم يبادون في بيوتهم وفي الشوارع وفي كل مكان فكيف يتظاهرون ؟ ثم إنهم إذا تظاهروا فينبغي أن يتظاهروا لإنهاء العدوان والاحتلال والحصار .
ثم إن المظاهرات التي ينظمها المستوطنون في "مدن إسرائيل"، حسب تعبير الدكتور الرميحي، لم تأت بنتيجة لأن نتنياهو ليس مهتما بإعادة الأسرى.
ولكن لعل الدكتور نسي أو تجاهل صورة أخرى، فقد تعرّض "الإسرائيليون العرب" واليساريون للمضايقات وحتى الاعتقال بسبب محاولاتهم الاعتراض على الحرب على غزة. فمن يعارض الحرب يقمع عكس من يؤد الحرب، فقد وافقت وزارة بن غفير على منح تصاريح للاحتجاجات المؤيدة للحرب، ولكنها لم توافق على الاحتجاجات المناهضة للحرب، حيث دعا بن غفير إلى فرض حظر كامل على المظاهرات المؤيدة للسلام.
أما في (سادسا) فقد تحدث الدكتور الرميحي عن خسائر أهل غزة فذكر أنهم فقدوا 40 ألف قتيل - استكثر عليهم صفة الشهداء، عكس ما تذكره النصوص الشرعية- وأكثر من 100 ألف جريح وعشرات الآلاف من المشردين، وهذا صحيح فأهل غزة تعرضوا لعدوان غربي وحشي كلفهم الكثير وهذه ليست كل خسائرهم.
وعندما تحدث الدكتور عن دولة الاحتلال ذهب مذهبا يوحي بتبسيط خسائرها:
"وتبقى مؤسساتها- اي دولة الاحتلال- مفتوحة وخسارتها في الأرواح نسبية، وما زال البعض منا يكابر".
واغتنم هذه الفرصة لأذكر الدكتور ببعض خسائر دولة الاحتلال:
فقد بلغ عدد قتلى الاحتلال يوم 7 أكتوبر وحده أكثر من الف قتيل فيهم نسبة كبيرة من الضباط والجنود إضافة إلى مئات الجنود الذين قتلوا أثناء العدوان على غزة، حسب الاعتراف الرسمي وربما ان ما خفي أعظم.
أما بالنسبة لعدد الجرحى فيقدر بالآلاف فيما أصيب أكثر من 12 ألفا جندي وضابط في جيش الاحتلال بالإعاقة، هذا فضلا عن آلاف الجنود الذين أصيبوا بأمراض نفسية، ، ونزوح أكثر من 250 ألف مستوطن خارج إسرائيل منهم 60 ألفا من مستوطنات غلاف غزة.
وعلى مستوى الآليات تمكنت المقاومة منذ بدء الحرب من تدمير أكثر من 1100 آلية إسرائيلية جزئيًا أو كليًا، منها 962 دبابة و55 ناقلة جند و74 جرافة و3 حفارات و14 مركبة عسكرية.
هذه الأرقام لا تشمل خسائر الاحتلال منذ بدء العملية البرية في لبنان ولا تشمل كذلك خسائره منذ الهجوم الأخير على مخيم جباليا وشمال غزة.
ولنقارن هذه الخسائر بخسائر دولة الاحتلال في حرب 73 التي بلغت حوالي 2800 قتيلا وتدمير 880 دبابة و حوالي 8 آلاف جريح وهي حرب مع دول وجيوش نظامية.
أما على المستوى الاقتصادي فقد قدرت خسائر دولة الاحتلال بأكثر من 67.3 مليار دولار.
إذ نشر موقع العربية.نت بتاريخ 07 سبتمبر 2024 تقريرا عن التحديات التي يواجهها اقتصاد دولة الاحتلال. وأشار إلى ما نشره موقع "ذا كونفيرزيشن" : "إسرائيل تواجه بعد 11 شهراً من الحرب أكبر تحدٍ اقتصادي لها منذ سنوات، حيث تُظهر البيانات أن اقتصاد إسرائيل يشهد أشد تباطؤ بين أغنى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بنسبة 4.1% في الأسابيع التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر 2023، واستمر الانحدار حتى عام 2024، حيث انخفض بنسبة 1.1% و1.4% إضافية في الربعين الأولين.
وكان اقتصاد إسرائيل ينمو بسرعة قبل بدء الحرب، وذلك بفضل قطاع التكنولوجيا إلى حد كبير، حيث ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد بنسبة 6.8% في عام 2021 و4.8% في عام 2022، وهو ما يزيد كثيراً عن معظم الدول الغربية.
لكن الأمور تغيرت بشكل كبير بعد نشوب الحرب.
وحتى مع حزمة المساعدات العسكرية الامريكية البالغة 14.5 مليار دولار أميركي فقد لا تكون مالية إسرائيل كافية لتغطية هذه النفقات.
ويشير تقرير "ذا كونفيرزيشن" إلى أن تدهور الوضع المالي في إسرائيل دفع وكالات التصنيف الائتماني الكبرى إلى خفض تصنيفها، حيث خفضت وكالة فيتش درجة إسرائيل الائتمانية من A+ إلى A في أغسطس الماضي.
كما أن السياحة تأثرت بشدة أيضاً، حيث انخفضت أعداد السياح بشكل كبير منذ بداية الحرب، ويواجه واحد من كل عشرة فنادق في جميع أنحاء البلاد الآن احتمال الإغلاق.
الهجرة العكسية...
وشملت تأثيرات الطوفان أيضا الجانب الديمغرافي وربما يكون هذا هو أخطر التأثيرات.
فقبل بداية عام 2024 نشرت مجلة زمان الإسرائيلية بناء على ما قالت إنها معلومات صادرة عن هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية أن 470 ألف إسرائيلي هاجروا بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، وليس معلوما ما إذا كانوا سيعودون إلى البلاد أم لا، علما بأن هذه الأرقام لم تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب.
وأظهرت الأرقام المبكرة أيضا أن عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل قد انخفض مع الشهر الأول بعد أكتوبر 2023 بنسبة 50% مقارنة ببداية العام، ثم انخفض العدد بنسبة 70% في نوفمبر 2023، إذ هاجر فقط ألفا شخص إلى إسرائيل بين بداية أكتوبر ونهاية نوفمبر.
وتؤكد بيانات هيئة الإحصاء الإسرائيلية أن عدد الإسرائيليين الذين هاجروا خلال الشهر الأول من طوفان الأقصى كانوا أكثر بنسبة 285% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
وقد أكدت القناة الـ12 في تغطيتها أن الأدلة تشير إلى أن جل من فروا من دولة الاحتلال من نوفمبر 2023 حتى مارس 2024 لا ينوون العودة مرة أخرى، وأنهم بدأوا بالفعل الانتقال التام بحياتهم إلى خارج البلاد.
وأكد تقرير نُشر في يوليو الماضي عن معهد "سياسة الشعب اليهودي" أن ربع اليهود في دولة الاحتلال و40% من فلسطينيي الداخل أصبحوا يفكرون في الهجرة فور أن تتاح لهم الفرصة بسبب الحرب. هذا وفقا لما نشر في الجزيرة نت.
وحدة الصف كما يراها الرميحي...
ورد في ختام مقال الدكتور الرميحي:
"آخر الكلام: الصف الإسرائيلي موحد، والصف الفلسطيني رغم 25 اتفاقاً في هذا القرن فقط بين فصائله، لا يزال منقسماً على نفسه، وهو المقتل الرئيسي للقضية وليس غيره".
هذه الفقرة تثير الدهشة والاستغراب فهي أقرب إلى شهادة تزكية لدولة الاحتلال بأنها موحدة ومنسجمة وساستها ومكوناتها في أحسن حال اتفاقا وتناغما مقابل انقسام الصف الفلسطيني كما يرى الدكتور الرميحي.
فكيف غاب عن الدكتور حجم الخلافات السياسية والدينية والاجتماعية بين مستوطني الكيان فالخلاف على أشده بين المتدينين واليساريين العلمانيين وبين المكونات العرقية.
ومنذ نكبة عام 1948 و"المجتمع الإسرائيلي" يعاني من العنصرية الحادة بين الأشكناز والسفارديم، فبينما كان الأشكناز أفضل تعليما وأكثر ثراء وميلا نحو الحداثة والعلمانية، كان يهود الشرق السفارديم، على العكس من ذلك، يعانون من نقص المهارات التعليمية والثقافية، فضلا عن الفقر الشديد والجنوح الثقافي عن حداثة أوروبا وعلمانيتها.
العنصرية ضد الأثيوبيين
ينظر الإسرائيليون إلى المهاجرين الإثيوبيين نظرة فوقية لدواع شتى، منها لون البشرة ويتهم الإثيوبيون الإسرائيليين البيض بممارسة التمييز العنصري النظامي الممنهج في حقهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية، رغم أن إسرائيل تقدم نفسها على أنها تسترشد بقيم الديموقراطية والتعددية والمساواة.
هذا فضلا عن وضعية فلسطينيي 48 الذين يحرمون من معظم حقوقهم ويعانون من التمييز ويعاملون بصفتهم مواطنين من الدرجة الرابعة أو الخامسة او حتى دون ذلك.
أزمة الإصلاحات القضائية
قدم ما يسمى بمشروع الإصلاح في 4 يناير 2023، بعد ستة أيام من تنصيب الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين، وأثار حالة واسعة من الجدل في إسرائيل، أشعلها اتجاه الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ ما تسميها "إصلاحات" في الجهاز القضائي، فيما تصفها المعارضة بأنها محاولة لـ"الانقلاب على الديمقراطية".
خلاف نتنياهو مع الجميع ...
اختلف نتنياهو مع معظم مسؤولي دولة الاحتلال موالاة ومعارضة واختلف حتى مع أعضاء مجلس الحرب، فهو على خصومة مع بني غانت وآيزن كوت الذين تركا الحكومة بسببه ومع وزير حربه يواف غالانت الذي هدد بإقالته أكثر من مرة.
بدأ الخلاف بين بنيامين نتنياهو، ويوآف غالانت، عندما سجّل الأخير بياناً متلفزاً ينتقد فيه الإصلاحات القضائية الإسرائيلية في مارس 2023، وبناءً عليه أقاله نتنياهو، وبعد احتجاجات حاشدة في الشوارع، أُعيد إلى منصبه بعد أيام قليلة.
وكان غالانت قد وصف رؤية نتنياهو لـ«النصر الكامل» بأنها خيالية وانتقده بسبب عدم وجود " رؤية لليوم التالي " للحرب على غزة. هذا فضلا عن الخلاف العام بين نتنياهو وبين الجيش حول ما يطلقون عليه اليوم التالي وحول ملف الأسرى ومفاوضات التبادل والجبهة الشمالية مع لبنان.
ووصل الأمر حد التمرد في الجيش فقد أعلن مؤخرا 130 من جنود الاحتلال رفضهم العودة إلى الخدمة العسكرية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى.
قالوا عن نتنياهو
قال يهودا باراك، رئيس الوزراء الأسبق إن المسؤولين عما حدث في 7 أكتوبر وعن إدارة الحرب الفاشلة في غزة ليسوا مؤهلين لقيادة إسرائيل إلى عهد جديد لأن مخاطره ستكون أكبر بكثير، مضيفا: "لا يمكن للقبطان الذي أغرق سفينتين بالفعل واحدة تلو الأخرى، أن يعهد إليه بقيادة السفينة الثالثة والأخيرة".
وانتقد العضو السابق في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس بنيامين نتنياهو واعتبر أن ما يفعله نتنياهو يعرض أمن البلاد للخطر، مشددا على أن "أي رئيس وزراء لم يتصرف هكذا في تاريخ إسرائيل".
وفي حديث لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، اتهم ليبرمان نتنياهو بوضع مصلحته الشخصية قبل احتياجات الأمن القومي لإسرائيل، وبتسييس عملية صنع القرار خلال مدة الحرب مؤكدا أن ثقته المفرطة وغطرسته قادته إلى تجاهل التحذيرات الأمنية قبل الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023.
احتمال الحرب الأهلية
تطورت مسألة الخلافات المتنوعة في دولة الاحتلال إلى مؤشرات وتحذيرات من حرب أهلية حسبما يقول الخبراء وبعض كبار المسؤولين السابقين في دولة الاحتلال.
فقد تحدث بعض كبار الكتاب من دولة الاحتلال، مثل ديفيد أوهانا في مقال له في صحيفة "هآرتس" عن مخاوف متزايدة من تطور الانقسامات بين الإسرائيليين إلى نزاع داخلي، وربما لحرب أهلية بينهم.
وأكثر من ذلك قال رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت قبل 7 أكتوبر: "إن الحرب الأهلية في إسرائيل قادمة وتذكروا كلامي هذا". وبعد 7 أكتوبر قال أولمرت: "ليس بعيدا اليوم أن تستخدم المليشيات اليهودية الأسلحة التي حصلت عليها للقضاء علينا نحن اليساريين".
كما أن رئيس حزب العمل وقائد المنطقة الشمالية السابق يائير غولان دعا لتنفيذ عصيان مدني واسع النطاق، ودعا أنصاره إلى رفض الانضمام إلى خدمة الاحتياط بالجيش.
شكوك حول مستقبل الدولة
نشر أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي دنيس شاربيت، كتابا تحت عنوان: "إسرائيل الدولة التي يستحيل أن تكون طبيعية".
يعالج الكتاب إشكالات إسرائيل الكبرى : دولة بلا دستور وبلا مفهوم واضح للمواطنة وبدون حدود مرسومة وذكر أنه بعد 80 سنة من عمر هذه الدولة لا يلوح في الأفق حل لأي من هذه المشاكل الكبرى.
ويقول الإسرائيلي ميشل كيشكا- أصله بلجيكي- في حديث بمناسبة مرور عام على السابع من أكتوبر إن العقد الضمني الذي بموجبه كانت دولة إسرائيل تحمي مواطنيها قد انفرط.
وقال إن السياسة التي يتبعها نتنياهو منذ 15 عاما وأيضا منذ تحكم اليمين المتطرف قبل سنتين قد دمرت المجتمع المدني الإسرائيلي وأضاف أن شركات كبيرة قد سحبت استثمارات من إسرائيل بسبب فقدان الأمن.
ويذكر أيضا أن الخوف والهلع والأمراض النفسية انتشرت في إسرائيل لدرجة أن مراكز العلاج النفسي أصبحت تستعين بأشخاص ليسوا من أهل التخصص وذلك لمواجهة طلبات الاستشارات النفسية الكثيرة.
فهل بعد كل هذا يمكن أن نتحدث عن وحدة الصف في إسرائيل كما يقول الدكتور الرميحي، إلا إذا كان الدكتور يقصد وحدة الصهاينة واتفاقهم، رغم كل تناقضاتهم الدينية والفكرية والاجتماعية، على سفك دماء الفلسطينيين واللبنانيين وإبادتهم وتشريدهم وترحيلهم من بيوتهم وكذلك كل من يقف في وجه مخططاتهم.
هنا فعلا يتحدون ويتفقون..
ثم كيف يتحدث الدكتور الرميحي عن أن خسائر دولة الاحتلال كانت " نسبية" ليخفف من حجمها، بعد كل هذه الأرقام والخلافات التي وصلت حد تنبوء بعض خبراء الاحتلال بحرب أهلية وحالة دولة الاحتلال لخصها نتنياهو بقوله إنها تخوض حربا وجودية، فأين هذا من الصورة الوردية التي أراد الدكتور الرميحي أن يقدمها عن دولة الاحتلال؟
الموقف الكويتي
شذ مقال الدكتور الرميحي عن المواقف الكويتية الثابتة الداعمة، رسميا وشعبيا، للقضية الفلسطينية. ومن أمثلة ذلك اعتماد مجلس الأمة الكويتي توصية بإحالة بنيامين نتنياهو وقادة دولة الاحتلال العسكريين والسياسيين بصفتهم مجرمي حرب في المحافل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وفي برلمانات العالم، وتكليف الشعبة البرلمانية قيادة جهود قانونية وسياسية وإعلامية بهذا الصدد.
كما دعا المجلس الحكومات والبرلمانات العربية والمسلمة إلى اتخاذ خطوات في كسر الحصار ورفض التطبيع، ودعا غرف التجارة ورجال الأعمال إلى تفعيل المقاطعة لإسرائيل، وفقا لما نشر في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 1 نوفمبر 2023.
ومن ذلك أيضا المواقف المشهودة لرئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم الذي ظهر قبل فترة في مقطع فيديو تداوله الآلاف عبر موقع تويتر، وهو يرمي بأوراق في سلة المهملات قال إنها تحمل تفاصيل مشروع خطة السلام الأمريكية المعروفة باسم "صفقة القرن".
وما كتبه الدكتور الرميحي ليس حالة معزولة، مع الأسف الشديد، بل يمثل تيارا من الكتاب "العرب" الذين لم يكتفوا بموقف الحياد بين المقاومة والاحتلال الظالم بل بلغ بهم الارتكاس حد موالاة الصهاينة المعتدين، عن قصد أو عن غير قصد، وتحميل المقاومة وزر جرائم الاحتلال المستمرة منذ عشرات السنين في حق الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني وكل شعوب المنطقة. وهؤلاء الكتاب بمواقفهم هذه إنما يمنحون الاحتلال صك براءة مجانا، وإن كانوا يغلّفون مواقفهم بدموع التماسيح على ضحايا العدوان في غزة وفي غيرها. لقد أصبحت اقلامهم تكشف ولاءهم بقصد أو غير قصد لأهداف ومخططات الاحتلال ويتضح ذلك أكثر عندما يشمتون من موت المقاومين.
إذا عجز هؤلاء عن نصرة المقاومة، ولو بشطر كلمة، فيسعهم السكوت امتثالا للحديث الشريف: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت).. وتمجيد المحتلين والهجوم على المقاومين ليس من قول الخير.
لا اتهم الدكتور في نيته ولا اصنفه خصما للقضية الفلسطينية لكن من كان مثله فكرا وثقافة ووعيا ما كان ليكتب ما يشتم منه رائحة خذلان المقاومين وتبرئة المحتلين.
وحتى لا نظلم الدكتور الرميحي فإذا قارنا ما كتبه مع كتاب آخرين وسياسيين وإعلاميين اصطفوا بشكل واضح مع خط الغزاة والمحتلين بحجة الواقعية ومراعاة موازين القوى ، نجد أن الدكتور الرميحي يعد، بناء على هذه المقارنة، "مناصرا كبيرا" لقضايا الأمة.
ولنقرا فقط هذه العبارة التي وردت في تقرير لإحدى القنوات " العربية" وصفت فيه قادة المقاومة بالأشرار والإرهابيين واختارت صياغة محددة تترجم الموقف بشكل واضح : " السنوار انقذته إسرائيل من الموت فحاربها"!
وفات القناة أن السنوار وكل الفلسطينيين هجرتهم إسرائيل وقتلهم وسجنتهم وعذبتهم واحتلت أرضهم وشردتهم وحاصرتهم واسكنت شذاذ الآفاق في بيوتهم، فالقضية لم تبدأ من السابع من أكتوبر كما يروج الموالون لدولة الاحتلال ومنهم من يتكلم بلسان عربي..
موقف هيئة الإعلام السعودية
أحسنت الهيئة العامة للإعلام في السعودية بإعلانها عن إحالة مسؤولين في إحدى القنوات إلى التحقيق كما نشر في بعض وسائل الإعلام ، ويبدو أن المقصود القناة التي نشرت التقرير الذي أساء للمقاومة وقادتها:
فقد أعلنت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في السعودية في بيان مساء السبت، "إحالة مسؤولين في إحدى القنوات التلفزيونية" دون تسمية القناة، على التحقيق بسبب تقرير إخباري مخالف للأنظمة والسياسة الإعلامية للمملكة، لاستكمال الإجراءات النظامية تجاه هذه المخالفة".
وأكدت الهيئة في البيان نفسه أنها "تتابع باستمرار مدى التزام وسائل الإعلام الأنظمة الإعلامية للمملكة وضوابط المحتوى، ولن تتهاون في تطبيق النظام تجاه أي مخالفة".