الحفاظ على الذاكرة الحضرية والبيئة: تحدٍ من أجل نواكشوط

في المدن، لا تعتبر المباني القديمة والمساحات الخضراء مجرد عناصر بنية تحتية؛ فهي تجسد ذاكرة المكان، وتاريخه، وهويته. ومن خلال أخذ مثال عن  الحي V الذي كان يتميز سابقًا بوجود “فيلا ماصا” وحديقة صغيرة ظليلة، يمكننا أن نرى كيف يمكن للتحول الحضري أن يمحو أحيانًا أجزاء مهمة من هذه الذاكرة الجماعية.
لقد اختفت “فيلا ماصا”، المبنى الرمزي، تحت جرافات الهدم لإفساح المجال لمبنى ضخم يضم بعض الوزارات، بما في ذلك وزارة البيئة. وللمفارقة، فإن الحديقة التي نجت تحت هذا المبنى الجديد قد تمت التضحية بها أيضًا، واستبدلت بمواقف سيارات. هذه التغييرات، رغم تبريرها بالاحتياجات الحديثة، تثير تساؤلات هامة حول الحفاظ على الهوية الحضرية والتراث البيئي.

المباني القديمة، مثل “فيلا ماصا”، تحمل في طياتها تصميمًا معماريًا فريدًا وشهادة على عصور ماضية وقيمة تاريخية لا تقدر بثمن. ومن خلال تدميرها دون بدائل للحفاظ عليها، يُمحى رابط مباشر مع تاريخ المدينة. فهذه المباني، بعيدًا عن كونها بقايا لا فائدة منها، تحكي قصص السكان، وأساليب حياتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية. فهي تمثل معالم في النسيج الحضري وشهودًا على استمرارية الماضي والحاضر.
أما المساحات الخضراء، فهي تقدم أكثر من مجرد جمال للمدينة؛ فهي رئة العاصمة التي تمكن سكانها من التنفس. كانت هذه الأشجار التي زينت المكان جزءًا من التراث الطبيعي، مقدمةً ملاذًا من النقاء في مدينة أصبحت أكثر كثافة. وبالإضافة إلى مساهمتها في التنوع البيولوجي المحلي، تتيح هذه المساحات لسكان المدينة فرصة للهروب والاتصال بالطبيعة وتحسين جودة حياتهم. يمثل تدمير هذه الحديقة، لصالح مواقف السيارات، رؤية تفضل الاحتياجات المادية على البيئة ورفاهية المجتمع.
إذا كانت التحديث والتطور ضروريين لمدينة في حالة تطور مستمر، فلا ينبغي أن يحدث ذلك على حساب ذاكرتها وبيئتها. من الممكن التوفيق بين الاحتياجات الحديثة وحفظ التراث الحضري والطبيعي. وهذا يتطلب سياسات للحفاظ على المباني القديمة وتجديدها بدلًا من تدميرها، وكذلك حماية المساحات الخضراء التي تعد أساسية لجودة الحياة.
يجب أن تتذكر المدينة أنها لا يمكن أن تستمر في الازدهار بدون جذورها. فهذه الجذور، سواء كانت معمارية أو طبيعية، هي التي تشكل هويتها وتجعلها قابلة للعيش لسكانها. 
إن التحدي الذي يواجه السلطات العامة هو إيجاد توازن بين التنمية والحفاظ على التاريخ والبيئة اللذين يشكلان روح العاصمة.

 

احمد محمود جمال ولد احمدو

سبت, 19/10/2024 - 09:09