تجد المحاكمة العادلة سندها في المادة ٩٠ من الدستور بنصها على أن( لا يخضع القاضي إلا للقانون، وهو محمى في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه ) .
وقد استقر قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن قواعد المحاكمة العادلة تكمن في ( عدالة الإجراءات و علنية الجلسات و الحق في منح مدة معقولة في نطاق الإجراءات ) .
أما مجلس الدولة الفرنسي ، فقد تصدى لهذا المفهوم منذو زمن طويل وحتى قبل دخول الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان حيز النفاذ ، فاستعاض عن مفهوم le procès juste بمفهوم آخر هو procès équitable ، أي المحاكمة المنصفة .
استرشادا بالعمل الرائع لمنظمة العفو الدولية ( دليل المحاكمة العادلة ، ط ٢ ، ٢٠١٤ ) و اللجنة الدولية للحقوقيين ( دليل مراقبة المحاكمات في حالات الإجراءات الجنائية ، ٢٠١٩ ) ، سأحاول الإجابة على هذا السؤال في نقاط أربع .
أولا : الحقوق ماقبل المحاكمة : و يقصد بها مرحلة البحث التمهيدي و التحقيق الإعدادي ، فبمجرد وضع المشتبه به قيد الحراسة النظرية تجب معاملته بما يوافق الكرامة الإنسانية( المادة ٥٨ إجراءات جنائية ) ، كما له الحق في الاتصال بالعالم الخارجي و الولوج أو المؤازرة بالمحامي ( المادة الرابعة من قانون مكافحة التعذيب ، المادة ٢٧ من قانون المحاماة الجديد ) .
بمثول المشتبه به أمام قاضي التحقيق تتعزز هذه الضمانات بعرضه أمام سلطة مكلفة بالتحقيق منفصلة عن السلطات المكلفة بتحريك الدعوى العمومية ، فرغم كونه مرحلة تمهيدية أو تحضيرية فإن له دورا هاما في ترجيح البينات أو بتعبير المادة ١٧٦ ( يفحص قاضي التحقيق ما إذا كانت توجد دلائل ضد المتهم على ارتكابه جريمة من الجرائم التى يرتب عليها القانون عقوبات ) .
ثانيا : الحقوق أثناء المحاكمة : بداهة أن المحاكمة العادلة لا ترتبط بهذه المرحلة فقط ولكن تبقى المحاكمة أهم المراحل على الإطلاق .
و من أهم الضمانات تسريع إحالة المتهم على هيئة الحكم ، و مناقشة أدلة الاثبات و النفي أمام المحكمة فلا يمكن إدانة المتهم بدليل لم يناقش في الجلسة مع استثناءات قلية .
هذا بالاضافة إلى أن المتهم يظل بريئا حتى تثبت إدانته بحكم قضائي حائز على قوة الشيء المقضى به .
ثالثا : المحاكم الخاصة و المتخصصة و العسكرية :
الحقوق الخاصة بالمحاكمة العادلة واجبة التطبيق في جميع المحاكم ، بمافي ذلك المحاكم الخاصة أو المتخصصة أو العسكرية .
وقد تأسست في الكثير من الدول محاكم خاصة أو استثنائية لمحاكمة حالات خاصة أو جرائم بعينها من قبيل الجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي و الخارجي أو الارهاب أو المخدرات ، وكثيرا ما تكون هذه الضمانات أقل بالمقارنة مع المحاكم العادية .
كما يجب أن تقتصر الولاية القضائية للمحاكم العسكرية على محاكمة منتسبي القوات المسلحة على ما يرتكبون من خروقات للنظام العسكري ، دون أن تمتد الى القضايا المنشورة أمام المحاكم العادية أو انتهاكات حقوق الإنسان أو الجرائم التى تقع تحت طائلة القانون الدولي .
رابعا : الحق في التعويض عن الخطأ في تطبيق العدالة :
لايوجد نص في قوانينا الجنائية موضوعية كانت أو إجرائية يتيح اللجوء إلى هذا الحق .
ولكن يمكن الأستئناس بالمادة ٩٩ من قانون الألتزامات و العقود التى تنص على أن ( الدولة وكل المؤسسات العامة التي يمنحها القانون شخصية اعتبارية مسئولة عن الأضرار
الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن خطإ مستخدميها في نطاق عملهم ) .
وفي قرار لافت صرحت المحكمة الإدارية في الرباط باختصاصها بمقتضى حكم عارض بتاريخ 16/08/2000، تلاه حكم في الجوهر حمل الدولة المسؤولية نتيجة خطأ مرفقي في حق الإدارة وقضى بتعويضات مادية ومعنوية ، في القضية المعروفة إعلاميا ب ( قضية فندق أطلس آسني بمراكش ) .
أصبح من اللازم و الحتمي النص على هذا الحق تماشيا مع التزاماتنا الدولية و إنصافا لكل المتضررين من الأخطاء القضائية ، وفي مقدمتهم القاضي محمد الأمين ولد المختار المفصول دون أن تتوفر له المعايير الدنيا الوطنية و الدولية للمحاكمة العادلة .