ذكريات من حفل تنصيب

.....ا 
حضرتُ مع آخرين حفل تنصيب الرئيس السنغالي عبد الله واد،  في 3 من ابريل 2007،  بملعب "اليوبولد سدار سينغور"، كان عدد الحضور المتوقع 60 الف شخص، 20 رئيسا، وآلاف المدعوين الأجانب ، .. وممَّا زاد الطين بللا، أن الحفل ينعشه المغني الأمريكي من أصل سنيغالي  "آليون تيام" الملقب  Akon ،   وكان في طور غليان الشّهرة، كان الشاب الأسود الأكثر مبيعات عالميا،.. صعدنا في حراسة الأمن الموريتاني والسنغالي، ومرت الفقرات الرسمية لحفل التنصيب بسلام،.. 
 صعد الفنان الشاب  ليغني، فتداعت إليه المدرجات من الجهات الأربع،.. كتل بشرية في هيجان رهيب،.. فبدأت الوفود فورا تتحرك مغادرة،.. وانشغل الأمن بتوفير مسالك آمنة للشخصيات الحسَّاسة، في جوّ من الفوضى والارتباك لا يُتصوّر، كان الموكب الوحيد الموجود أسفل المدرجات مباشرة، موكب الرئيس القذافي رحمه الله، حيث يجلب معه عادة سياراته في جولاته ولا يشرف عليها إلا حرسه الخاص،.. وصادف أن كان يجلس بقربه الرئيس الموريتاني فالتقطه وحرمه معه في سيارته بعد أن تعذَّر على رئيسنا التقدم نحن موكبه؛
تُركتْ بقية عباد الله  من الضيوف تواجه الفوضى، ومصيرها بنفسها.. أخذني الرُّعب بالأحضان، كنا في أعلى المدرج وكان إلى جانبي الأستاذ محمد الأمين ولد داهي، وحاول قدر جهده طمأنتي، وكان رابط الجأش، كنت أتتبعه كظله مُمسكة بطرف بدلته،  أحيانا أشعر بالشموخ لأني "أشرب الماء على رأسه"، وأحيانا يستبيحني الرّعب لأنه لا يسترني خلفه.. نزلنا ببطئ، فوجدنا في الطريق زميلي يشبّك ساعديه بقوة على صدره خوفا على هواتفه، وعيونه زائغة،.. فكنا له فتحا من الله وجرفناه معنا نحو الأسفل، والممر مسدود تماما، تتدافع فيه الوفود، والحال نفسي نفسي.. وفي كل خطوة على السُّلَّم أتودد  لساكنة البلد بولْفيَّتهم، واشرح لهم أننا ضيوفهم، استعطف منهم السِّلْمَ.
 بعد جهد جهيد خرجنا من الملعب بسلام وقد بدأ الظلام ينزل،.. على ناصية الشارع المقابل لمحْنا وزير الخارجية أحمد ولد سيدي احمد "الديش" وسفير موريتانيا في السنغال وقتها،  يبحثان عن أيّ وسيلة للنقل، بعد نصف ساعة من الانتظار، كان سعدنا في سيارة أجرة متهالكة، حملتنا خمستنا إلى إقامة السفير.
بين قضاء صلاة المغرب والاستعداد لحضور حفل العشاء، وتبادل التعليقات حول حفل التنصيب،.. استغرب السفير اسهاب رئيس المجلس الدستوري في مدح ثمار مأمورية عبد الله واد المنصرمة، وقد تحدَّث عن إنجازاته السياسية والتنموية وخصاله الشخصية بإطناب، .. وكلَّما فَتَرَ الحديث في مجلسنا، يُجدّد السفير استغرابه قائلا : "انتومَ شفتُ ذَ رئيس المجلس الدستوري مَصَفْكُ"،  وقد كان السفير رجلا تقليديًّا عفويًّا، ..
 كنتُ وزميلي "أسْغر اجماعه"، وعلينا التزام الصَّمت والأدب ومقاومة مُوطس المشاكس، ونحن على وشك الانفجار من تكرار السفير لنفس العبارة،... اطوالتْ ارْوايهْ اعلَ الدِّيْش، وكان ينظّف صيوان أذنه بأصبعه من آثار بلل الوضوء،.. فردَّ على السفير، موضِّحًا،  "اكسلانس حَكْ،  يغير هو ذاك اعلَ حالتُو ذيك عايْد إمْرَه".
فات على السّفير أن رئيس المجلس الدستوري يضع مسحة خفيفة من أحمر الشفاه و حلقين في أذنيه، .. وقد كان القضاة فعلا على مصطبة منخفضة شيئاً ما على حافة الدّرج تحت مستوى الضيوف، وقد لا تكون ملامحهم في متناول الجميع..
 رئيس المجلس الدستوري السنغالي حينها هو صاحبة الصورة أدناه (إبَّدْلاتْها)، وهي القاضي "مِرَيْ انجاي" خُلاسية توغولية-جيرمانية الأصل سنغالية الجنسية بحكم الزواج، ومن خيرة قضاة السنغال وأكثرهم تميزا معرفياًّ.. غير أنَّ طافِلاتْ انْيَكَّات مَوْكَف السِّيمهْ عندهم اتفرطيسْ الرَّاصْ،... الصُّورة من يوم التنصيب المذكور ويظهر خلف القاضي "مِرَيْ"، رئيس التشريفات الأشهَر "ابرونو دياتا" .

تحياتي.

جمعة, 02/08/2024 - 18:04