لقد أوضح رئيس الجمهورية في خطاب الفاتح من أغسطس الذي أدلى به مباشرة بعد تأديته اليمين الدستورية فهمه واستيعابه للأسباب التي دفعت غالبية أفراد المجتمع الموريتاني إلى اختياره رئيسا لمأمورية جديدة يتوقعون منه خلالها تحقيق آمالهم وتطلعاتهم في النهوض بالبلد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا . ولكي لا تتبخر آمال وتطلعات المواطنين يَجْدٌرٌ برئيس الجمهورية في بداية مأموريته الثانية أن يحرص على اختيار تشكيلة حكومية جديدة قادرة على إرساء " دولة القانون والأمن والتنمية " التي تحدث عنها في خطابه ، حكومة ترقى إلى مستوى التجديدالسياسي الذي يطمح إليه المواطن الموريتاني . أي حكومة مؤهلة لإصلاح أداء الدولة ومؤسساتها على أساس مشروع مشترك يعكس استجابة حقيقية للتغيير الملموس في جميع المجالات. هذا المشروع المشترك ينبغي أن يركز على حسن تدبير شؤون الدولة بدء بترشيد المالية العمومية والمحافظة على استدامة السياسات وتعزيز النمو الاقتصادي، مرورا بترقية التنمية المستدامة والتماسك الاجتماعي وانتهاء بمكافحة البطالة ودعم التقدم المجتمعي ، هذا فضلا عن تبني رؤية شمولية لإصلاح النظام التعليمي .
إن تعهدات رئيس الجمهورية في المضي قدما على طريق الإصلاح وارتفاع سقف تطلعات المواطنين حول حتمية هذا الإصلاح تضع أي تشكيلة حكومية جديدة بعد تنصيب الرئيس أمام خيار واحد ، هو خيار الارتقاء إلى مستوى تطلعات ورهانات المجتمع من خلال إطلاق وتيرة الإصلاحات اللازمة واقتراح مشروع مستقبلي يجلب الأمل ويخلق استراتيجيات تنموية جديدة لمواجهة التحديات المتعددة المطروحة . وتتمثل هذه الاستراتيجيات في تعزيز قيم المساواة والعدالة و" التآخي والمواطنة " والتحرك نحو مزيد من الشفافية ومحاربة الفساد وتحفيز النمو الاقتصادي وتمكين الشباب ، وخلق فرص العمل التي لا تزال هشة في الوقت الذي لا يزال فيه مجتمعنا يعاني من عواقب وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي نتجت عن جائحة كورونا . وهذه الاستراتيجيات أو بالأحرى الأفكار التوجيهية ، التي بدت واضحة في خطاب رئيس الجمهورية بعد تأديته اليمين الدستورية ، كلها أساسية لتحديد المهام المركزية للحكومة المرتقبة وتمكينها من انتهاج سياسة مٌتَمَحْوِرَة حول النتائج .
وفي هذا السياق ينبغي أن تدرك الحكومة الجديدة المرتقبة المسؤوليات المرتبطة بإدارة الموارد الطبيعية لبلدنا، لأن الثروات المعدنية والسمكية الهائلة للبلاد ودخول بلدنا في نادي الدول المصدرة للغاز يحتم على الدولة إعادة تعريف نفسها كدولة رفاه أو بالأحرى دولة راعية Etat Providence قائمة على مبدأالتوزيع العادل للخدمات والخيرات على جميع المواطنين . و يجب على التشكيلة الحكومية الأولى بعد تنصيب الرئيس أن تنبذ عقلية البيروقراطية وثقافة الإقصاء وأساليب احتكار المعلومات وحق التفرد بالأسرار الإدارية بعيدا عن قيم الشفافية والحوار واستحقاقات العيش المشترك التي أصبحت مصدر قوة في المجتمعات الديمقراطية الحديثة . كما أن من المهام والواجبات الأساسية للحكومة الجديدة المرتقبة السعي إلى إجراء حوار بناء مع المعارضة البرلمانية وإعادة إطلاق الحوار الاجتماعي حول الاستراتيجيات المناسبة لتكريس المساواة الاجتماعية بعيدا عن منطق المٌحَاصَصَةٌ السياسية والفئوية الضيقة.
إن التحديات الأمنية الإقليمية والدولية وتدني مستوى جودة البنية الاقتصادية والحضرية في بلدنا ، مقارنة ببعض الدول المجاورة ، كلها عوامل تحتم على أية حكومة جديدة الاتحاد والرغبة الأكيدة في وضع بلدنا على مسار واعد بتنمية مستدامة حقيقية لصالح جميع سكانه. ولتحقيق هذا التحول ، ينبغي أن تكون الكفاءة والفعالية والاستدامة والتماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص هي المبادئ التوجيهية التي تميز عمل هذه الحكومة. وبمشاركة جميع أولئك الذين يشكلون ثراء وتنوع مجتمعنا سيضمن رئيس الجمهورية وطاقم الحكومة الجديدة المرتقبة الدعم الجماهيري اللازم لتهيئة الظروف المواتية التي ستسمح له بالوفاء بالتزاماته خلال مأموريته الثانية ولا سيما إعادة بناء مجتمعنا الموريتاني على قواعد أكثر اتحادًا وعدالة وانفتاحًا، مجتمعا يكون آمنا ومستقرا ومستعدًا لتقبل التحديات والفرص القادمة .
د/ سيدي محمد يب أحمد معلوم
أكاديمي وخبير دولي في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات