المشهد الواضح:
ونحن نعيش ربما آخر مراحل طوفان زوال الكيان الصهيوني فإنه لا حاجة إلى مقدمة يعرفها الجميع تؤدي للملل، ولا إلى تمهيد يشتت انتباه القارئ؛ فالمشهد ماثل للعالم أجمع: كيان محتل ضعيف بانت هزالته رغم خنوعِ أنظمة عربية له ونفاقِ أخرى غربية له، في مواجهة مقاومة صغيرة عددا ضعيفة عدة على بقعة صغيرة تتوسط خريطة العالم تهزمه في ساعات معدودة في أسرع معركة خاطفة حاسمة في التاريخ الحديث وأقسى هزيمة يتلقاها الكيان المحتل في تاريخه المشؤوم وعمره القصير، يتبع ذلك محاولة انتقام همجية وإبادة دموية، تستقوي بخذلان عربي ونفاق دولي غريبين!! .. كل ذلك بيّنٌ لا يحتاج طولَ كتابة أكثر مما يحتاج منه لردّات فعل على أرض الواقع كل بما يملك وليس بما يستطيع ..
لكن ومن خلال ثنايا الحدث الأبرز في العالم لن يألوَ المتابع المهتم جهدا في استنباط مختلف التحليلات وأصناف التصنيفات والتي من خلالها دوما يكتشف حقائقَ وأسراراً ويتوصل بأنها تلتقي كلها في محطة نهائية واحدة عنوانها أن المنطقة لن تكون كما كانت عليه قبل هذا اليوم المشهود، يوم الـ 22 ربيع الأول 1445 هـ (عشرة أيام فقط بعد ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسّلام) السابع من أكتوبر.
المشهد الأخير
يعيش العالم الآن هذا الاصرار الاسرائيلي الصهيوني الوحشي على التمادي في القتل بارتكاب مئات جرائم الإبادة الجماعية التي أذهلت العالم ولا تدل على رغبة في التهجير بل على تبييت نية وإصرار مسبق على إفناء أهل غزة! والاستمتاع بشهوة جُبلوا عليها في مشاهدة دماء وأشلاء النساء والأطفال والشيوخ، ومحاولة بيّنة للقضاء على كل أشكال الحياة في القطاع بدءًا من الحصار الجائر، ومرزرا بالتجويع في أقبح صوره، وانتهاء بالتدمير الممنهج للمدارس والأحياء السكنية ودور العبادة ومراكز الصحة واللجوء والتموين، واستهدافِ سيارات الإسعاف وشاحنات الإغاثة على قِلتها، وقصف صفوف المدنيين الجوعى العطشى الجرحى المتجمهرين حولها، والتمادي في عمليات تعذيب وقتل الأسرى في السجون، جرائم غير مسبوقة أدت لإدانة دولية غير مسبوقة للكيان من طرف شخصيات دولية ومنظمات حقوقية وإنسانية وهيئات قانونية حريصة على سلامة العالم !!
كل تلك التصرفات لا يبررها ـ برأيي المتواضع ـ من ناحية إلا شعور المحتل المنهزم وحلفائه والمتواطئين معه بفقدانهم السيطرة على المشهد، على الأوراق وعلى الأرض، وشعورُه كذلك باليأس وقد بات يتأكد له وللعالم يوما بعد يوم من قرب نهايته تحت قيادة ذلك التحالف النازي (الحكومي) العنصري المقيت المهترئ رغم محاولاته اليائسة استبعاد شبح ذلك بل حقيقته، ورغم خطط ساسته وجيشه المرتبكة في لمحاولة المد قليلا في عمر كيانه الزائل؛ ومن ناحية أخرى محاولته التغلب على قناعة باتت تتأكد للعالم بأن تلك المعركة وهذا الحرب يخلقان الآن ـ رغما عنه ـ جيلا عاش طوفان الأقصى ونشوة انتصاراته وقاسى نازية حكومته المجرمة وهمجيةجيشه السفاح الدموي في غزة والضفة، جيلا طبع في ذهن أطفاله أكثر مشهد يستقوي به في كفاحه ومقاومته المشروعة في دفاعه عن دينه وعرضه وعن أرضه وحياته .. جيلا في طور التكوين أكرهَ له وأحرَصَ على اجتثاثه وطرده أكثر من هذا الجيل صانع الطوفان جيلٕ حملة القرآن والرسائل، رجالٕ الياسين والشواظ والفدائي.. فلا حلّ آخر أمامه سوى إبادته كما يحاول كل يوم! فمن يدري أكثر من هذا المحتل وحلفائه غربا وعُربا أن هذا الجبل المتشبع قتلا وتهجيرا وخذلانا سيتربى أكثر مقاومة وأقوى شكيمة وأوفقَ رمٕيّة وأكثر إبداعا من هؤلاء، قادرين في المستقبل القريب على أن يذيق كيانه الضعيف يوما أصعب وأعظم عليه من يوم السابع من أكتوبر 2023 إن قُدّر ـ لا قدّر الله تعالى ـ لكيانه العيش بضع سنوات أخرى؟
لقد بات العالم منطقة غير صالحة لبقاء هذا الكيان الخبيث، ولم تعد غالبية دُوله تستسيغ التعايش مع خرافة دولته المارقة، كما أن جــيل الشباب حول العالم كله صار أنضجَ وعياً وأكثر إدراكا لحقيقة ما يجري في فلسطين عامة وفي غزة خاصة، وأصبحت واضحة للجميع التصنيفاتُ الحقيقية التي أعاد إحيائها فرسان طوفان الأقصى من أن هذا هو المحتل الغاصب، وهؤلاء هم المقاومون أصحاب الحق الناصع، وذلك هو المتواطؤ المنافق، وأولئك هم المتخاذلون الجبناء ..
هي حقائق صنعها الصمود الأسطوري لأصحاب الأرض صغارا وكبارا الساعين لاسترجاعها، ويجزم الكثيرون بأن ذلك سيتحقق في أقرب وقت .. فغـزّة كانت وستبقى جزءا من أرض أولى القبلتين تحميها كعادتها بدماء رجالها ونسائها وأطفالها، فهي كانت ولا زالت أرض الرجال "الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثيرًا وَانتَصَروا مِن بَعدِ ما ظُلِموا وَسَيَعلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبونَ }.
عبد الرّحمن فودي ماريكا