يتناول هذا المقال نشأة التمويل الأصغر وسوقه عالمياً وعربياً والتحديات التي تواجهه، وآفاق إسهام التمويل الإسلامي الأصغر في مكافحة الفقر وفي توزيع الثروة وبناء تنمية اجتماعية واقتصادية.
صمم النظام المصرفي الغربي بصورة تخدم الأغنياء وحدهم، ولم يكن للفقراء والمساكين فرصة للاستفادة منه نظرا للمتطلبات والشروط الذي يضعها هذا النظام بحيث لا يستطيع تلبيتها إلا الأغنياء ، فمعظم الفقراء ومحدودي الدخل يفتقرون إلى الحصول على تلك الخدمات المالية المقدمة من طرف المؤسسات المالية الرسمية كالبنوك التجارية وغيرها من المؤسسات المالية الأخرى،حيث تشير بعض المصادر إلى أنه على مستوى الاقتصاديات النامية لا تقدم أنظمتها المالية الرسمية خدماتها المالية سوى لنسبة تتراوح مابين 20 ℅ و 30 ℅ من سكان تلك المناطق(1).
ولهذا السبب ازداد الفقر وانتشر في معظم البلدان النامية ودفعت البلدان ثمناً باهظاً لهذه الظاهرة، فالفقر ظاهرة خطيرة تسبب كثيرا من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتعطل العقول عن الإبداع والعمل لذلك سجل التاريخ لسيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه قولته الشهيرة : لو كان الفقر رجلا لقتلته". لأن الفقر يقتل روح التفكير ويشل حركة البناء لذلك قال الإمام الشافعي : " لا تستشر من ليس في بيته دقيق".
ولهذا السبب أصبح التمويل الأصغر توجهاً دولياً سائداً حيث درجت المنظمات والمؤسسات العاملة في مجال التنمية تضمينه في سياساتها وبرامجها، لأن التجارب أثبتت أمه الأداة الأقوى والأكثر فاعلية لمكافحة الفقر وتحقيق الهدف الذي حددته قمة الإقراض بالوصول إلى مائة مليون من أشد الأسر فقراً في العالم بحلول العام 2005م وتخفيض نسبة الفقر إلى 50% بحلول العام 2015م ، إسهاماً في بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة.
ولعل إعلان الأمم المتحدة العام 2005م سنةً دوليةً للإقراض متناهي الصغر (التمويل الأصغر)، يأتي تأكيدا لأهمية هذه الآلية ودورها الحيوي في تجفيف منابع الفقر. كما أن من أصدق الدلائل على جدوى التمويل الأصغر على المستوى الدولي، إنشاء العديد من قطاعات التمويل بهدف الوصول إلى ملايين الفقراء على مستوى العالم، ونجاحها في تزويدهم بالخدمات المالية والتخفيف من حدة الفقر بينهم، وبصورة خاصة بعد أن أثبتت التجارب أن شريحة أفقر الفقراء لها القدرة على استخدام خدمات الائتمان بتكلفة مالية محدودة، ما أثبت عدم صحة القناعات السائدة عن عجز تلك الفئة من الاستفادة من خدمات الإقراض، وارتفاع تكلفة تقديم الخدمات المالية إليها (2)
وقد شهدت صناعة التمويل الأصغر نموا كبيرا خلال السنوات الثلاثين الماضية، حيث أسس ما يقرب من 10.000 مؤسسة للتمويل الأصغر عبر العالم بلغ إجمالي عملياتها 50 مليار دولار أمريكي، في حين بلغ عدد المستفيدين من خدماتها عبر العالم أكثر من 110 مليون شخص.
تعريف التمويل الأصغر
جرى تعريف التمويل الأصغر في معظم دول العالم بأنه تقديم نطاق واسع من الخدمات المالية في مجالات الائتمان والادخار والإيداع والتأمين والتحويلات بل والتدريب وبناء القدرات لذوى الدخل المنخفض أي الفقراء النشطين اقتصاديا.
وهناك عدة تعريفات للتمويل الأصغر لكنها متشابهة في ألفاظها ومراميها:
ـ التعريف الأول: "التمويل الأصغر هو تقديم الخدمات المالية للفقراء من منظمي مشروعات العمل الحر" (3).
- التعريف الثاني: "التمويل الأصغر هو مجموعة الخدمات المقدمة للأفراد الذين ليس لهم القدرة على الحصول على تلك الخدمات من المؤسسات المالية التقليدية(4)" .
- التعريف الثالث:" التمويل الأصغر منهجية إقراض توظف بدائل للضمانات لتقديم واسترداد قروض قصيرة الأجل لرأس المال العامل لأصحاب المشاريع الصغيرة"(5) .
- التعريف الرابع: برنامج التمويل الأصغر يعني "توفير الخدمات المالية كالإقراض والإيداع والادخار التي تتكيف مع احتياجات الفقراء القادرين على تنظيم المشروعات"(6)
تعريف عميل التمويل الأصغر
عرفت استراتيجية البنك المركزي السوداني عميل التمويل الأصغر بأنه الفقير النشط اقتصاديا الذى له دخل شهري يقل عن ضعف الحد الأدنى للأجور أو يمتلك أصولا منتجة قيمتها أقل من عشرة آلاف جنيه ولا يستفيد من التمويل بالمؤسسات الرسمية وحدد له السقف التمويلي بعشرة آلاف جنيه كحد أعلى.
ويلاحظ على تعريف البنك المركزي أنه يخرج الفئات المحتاجة الواسعة التي ليس لها دخل ثابت وهي في أمس الحاجة لخدمات التمويل الأصغر..
نشأة التمويل الأصغر في العصر الحديث
عرفت الدول الغربية نظام التمويل الأصغر منذ فترات طويلة إلا أن الدول العربية والإسلامية لم تعرفه إلا خلال العقود الأخيرة وتعتبر تجربة ميت غمر في مصر على يد الدكتور أحمد النجار في بداية الستينات من أولى تجارب التمويل الأصغر في البلاد العربية..
لكن صناعة التمويل الأصغر عرفت تطورا نوعيا على يد البروفسور محمد يونس في بنغلاديش في عام 1974 حيث قام البروفسير محمد يونس مع طلابه بزيارة ميدانية لقرية فقيرة في الريف البنغالي وأجرى أجرى حوارا مع صانعة مقاعد خشبية مكسوة بالزعف حول أحوالها المالية فأخبرته أنها حصلت على قرض من بنك تجارى لتشترى موادها الخام ولكن سعر الفائدة كان عاليا جدا إذ كان يستحوذ على معظم الربح ويترك لها الفتات. عندها أدرك محمد يونس أنه لو تيسر لهذه الصانعة الحصول على قرض بشروط أفضل لارتفع هامش ربحها ولتمكنت من النهوض اقتصاديا و تحسين وضعها الاجتماعي.
كانت تلك نقطة البداية لفكرته بإقراض صغار المنتجين والفقراء حيث قدم محمد يونس قروضا بإقراض استفادت منها حوالي أربعين من صانعات السلال من حر ماله واكتشف سريعا أن هذه المبالغ الصغيرة التي أقرضها لهؤلاء النسوة جاءت بنتيجتين إيجابيتين: الأولى هي تمكين النسوة من الحصول على مصدر رزق يباعد بينهن و بين الفقر أما النتيجة الأخرى فهي تحفيز وغرس روح الإنتاج والتجارة لديهن للخروج من دائرة الفقر والحاجة.
استخدم محمد يونس هذا النموذج كركيزة أولية وعلى ضوئه أسس بنك سمي بنك القرامين Grameen Bank وتعنى القرية في اللغة البنغالية ورغم تحذيرات العاملين له في هذا المجال بالحكومة والقطاع الخاص من عدم وجود ضمانات لاسترداد أمواله إلا أنه مضى قدما في تنفيذ مشروعه لمساعدة الفقراء . اعتمد البنك على نظام الأمانة المتأصلة لدى سكان القرى بالريف البنغالين حيث لم يعتمد على نظام توفر الرهن كضمان مالي للحصول على القرض.
ولكن بنك قرامين قام بتطوير نظام الأمانة الجماعية حيث يتم الإقراض للأفراد ضمن مجموعات من نفس القرية تكون حاضرة عند عملية الإقراض ويتم سداد الديون بنفس هذا النهج في اجتماع عام لكل المقترضين في منظومة تتمتع بالدعم والسند المجتمعي. هذا الأسلوب يمثل صمام الأمان لضمان السداد لذلك البنك وبالفعل بلغت نسبة السداد أكثر 98% .
كان تركيز البنك على إقراض النساء اللائي يشكلن 94% من المقترضات وقد أدى التركيز على هذه الفيئة إلى الارتقاء بالمجتمعات المحلية لما للنساء من دور فاعل ومباشر في تشكيل وتماسك الأسرة.
أهمية التمويل الأصغر وعلاقته بالبطالة والفقر
يمكن أن نستشف أهمية التمويل الأصغر بصفة عامة وعلاقته بمشكلة الفقر والبطالة بصفة خاصة من خلال النقاط التالية:
· أن الهيئات والمؤسسات التي قامت بتنفيذ برامج تقديم خدمات التمويل الأصغر قد حققت من خلال تلك البرامج أرباحا إلى جانب تحقيق أهدافها الاجتماعية.
· أنه يوفر مجموعة متنوعة من الخدمات المالية للفقراء ومنخفضي الدخل المستبعدين في كثير من الأحيان من الأنظمة المالية الرسمية بمختلف أشكالها المؤسساتية،
· أنه يعمل على تمكين الفقراء على زيادة دخلهم الأسري، وتحقيق أمنهم الاقتصادي والحد من ضعفهم المالي، وذلك من خلال بدء مشروعات مصغرة وصغيرة مُدرّة للدخل.
· أنه يعمل على تحفيز الاقتصاديات المحلية من خلال خلق الطلب المتنوع على مجموعة كبيرة من السلع والخدمات خاصة ما يتعلق منها بخدمات التغذية والتعليم والصحة.
· أنه يوفر مجموعة متنوعة من الخدمات المالية للفقراء ومنخفضي الدخل المستبعدين في كثير من الأحيان من الأنظمة المالية الرسمية، وهو ما يساعدهم على بدء مشروعات مصغرة وصغيرة مدرة للدخل.
· الأهمية الاستراتيجية المستمدة من المشروعات المصغرة والصغيرة في حد ذاتها، على اعتبار أنها بمثابة الأداة المحركة للنمو الاقتصادي، والمصدر الرئيسي في توفير فرص العمل، وتحقيق مستويات هامة من الكفاءة الاستخدامية للموارد المتاحة (7).
تجارب عربية في مجال التمويل الأصغر
اهتمت البلدان العربية بالتمويل الأصغر خلال السنوات الأخيرة وأعدت الحكومات برامج متنوعة لهذا الغرض تفاوت نجاحها من بلد لآخر كما كان للقطاع الخاص تدخل مهم في هذا المجال .
وفيما يلي استعراض سريع لبعض تجارب التمويل الأصغر في البلدان العربية:
الشبكة العربية للتمويل الأصغر (سنابل)
تأسست الشبكة سنة 2002م وتضم حاليا 64 عضوا من أكثر من 12 بلدا عربيا وهي تخدم 80% من عملاء التمويل الأصغر في البلدان في المنطقة وتعمل سنابل على تطوير الحوكمة وتبادل المعلومات والتدريب والبحوث.
تجربة السودان
تعتبر تجربة السودان من أكثر تجارب البلدان العربية أهمية في مجال التمويل الأصغر، فقد أسس البنك المركزي السوداني سنة 2007م وحدة للتمويل الأصغر وألزم البنك المركزي البنوك التجارية بتخصيص 12% من محافظها التمويلية للتمويل الأصغر.
كما توجد عدة مؤسسات مصرفية متخصصة في التمويل الأصغر مثل بنك الأسرة وبنك الادخار كما أسس بنك الخرطوم خلال السنة الماضية بنك إرادة بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية وهو بنك مخصص للتمويل الأصغر وكذلك أسست أجفند بالتعاون أيضا مع البنك الإسلامي للتنمية بنك إبداع للتمويل الأصغر.
تجربة بنك البركة الجزائري
في إطار أحد المشاريع التنموية الممولة من قبل برنامج التعاون الدولي الألماني DEVED-GTZ وبمشاركة وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على مستوى مدينة غرداية ، ومن اجل تسهيل حصول الحرفيين على التمويل الكافي للممارسة نشاطاتهم الحرفية، تم في هذا السياق تأسيس مع نهاية سنة 2008 مؤسسة للخدمات المالية المسماة اختصاراFIDES Algérie بالتعاون مع بنك البركة الجزائري، حيث تقوم المؤسسة بدراسة وتقييم مشاريع الحرفيين ومدى قابليتها للحصول على التمويل، وبناء على تلك الدراسة ترسل مؤسسة الخدمات المالية تلك الطلبات إلى بنك البركة الجزائري لتقديم التمويل لتلك المشاريع المقبولة، كما تقوم مؤسسة الخدمات المالية في إطار الاتفاقية المبرمة مع بنك البركة الجزائري بضمان المتابعة المستمرة للحرفيين المستفيدين من التمويل.
والتمويل المقدم من قبل البنك كان وفق صيغة التمويل بالمشاركة بمبلغ أقصى قدره 500.000 دج لمدة تتراوح بين 12 و 24 شهرا، وتشير الإحصائيات المتوفرة حاليا إلى أنه خلال السنة الأولى من النشاط تم تمويل 45 مؤسسة، حيث تم تسجيل حالتين فقط عن التأخر عن السداد في الآجال المتفق عليها.
أما فيما يخص تمويل النساء الحرفيات الماكثات في البيوت فقد تم اعتماد صيغة القروض بدون فوائد(القرض الحسن) ، بمبالغ تتراوح ما بين 10.000 دج و50.000 دج ، ولمدة تتراوح ما بين 3 - 12 شهرا ، مع شرط أن يكون هؤلاء النسوة منظمات في شكل مجموعات ومتضامنات فيما بينهن (أسلوب ضمان المجوعة).
تجربة أجفند
يعود توجه برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) نحو التمويل الأصغر إلى 1997 عندما تعرف الأمير طلال بن عبد العزيز على فكر البروفيسور محمد يونس، مؤسس غرامين بنك في بنجلاديش رائد التمويل الأصغر، وقدمه للعالم العربي. وأطلق الأمير مبادرته لتأسيس بنوك الفقراء في العالم العربي، لتخفيف الصعوبات التي تواجهها هذه الشريحة في المنطقة، وتحسين ظروفهم المعيشية، وتحويلهم إلى قوة منتجة تعتمد على ذاتها وتسهم في دعم مجتمعاتها .
تبنت أجفند مشروع بنوك الفقراء في الوطن العربي كإحدى المبادرات الرائدة ، على المستويين المحلي والإقليمي، لمحاربة الفقر والتخفيف من حدته في المجتمعات الفقيرة بالوطن العربي . وتهدف بنوك الفقراء إلى تقديم خدمات الإقراض متناهي الصغر لشريحة أفقر الفقراء، اعتماداً على مبدأ الثقة، بعيداً عن القيود والضمانات التي تفرضها البنوك التقليدية، وذلك لرفع المستوى المعيشي لتلك الفئة ولكي تصبح قوة منتجة تعتمد على ذاتها وتسهم في دعم مجتمعاتها .
أسست أجفند عدة بنوك للفقراء في عدد من الدول العربية وغير العربية ومن أبرزها بنك الأمل في اليمن.
بنك الأمل في اليمن
من نجاحات بنوك أجفند أن بنك الأمل للإقراض الصغير في اليمن يسيطر على 35% من إجمالي المستفيدين في سوق التمويل الأصغر في اليمن. وقد حقق أعلى نسبة نمو في العام 2009 و 2010م بين مؤسسات التمويل الأصغر في اليمن.
فاز بنك الأمل بجائزة " الابتكار لعام 2010" على المستوى العربي التي تمنحها مؤسسة جرامين جميل وشبكة التمويل الأصغر للبلدان العربية (سنابل) .
واختير ثاني مؤسسة عالمية تدعم الشباب في مؤتمر Make the cent الذي عقد في واشنطن في نهاية عام 2010م .
كما اختير بنك الأمل باعتباره أفضل مؤسسة في العالم في ابتكار المنتجات الإسلامية وذلك في مسابقة التحدي الإسلامي 2010م ونال الجائزة الأولى من بين 130 بنك ومؤسسة في العالم من أكثر من 43 دولة وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.
بنك الإبداع في البحرين:
أما بنك الإبداع في البحرين فحقق انجازاً كبيراً في تغيير ثقافة عدد من مؤسسات القطاع الخاص لتحويل أموال مسئولياتهم الاجتماعية تجاه بنوك التمويل الأصغر، وذلك من خلال اللقاء مع صناع القرار في هذه المؤسسات وإقناعهم بفكرة البنك وفلسفته التنموية وعرض عدد من قصص النجاح لعملاء البنك، فاستطاع استقطاب عدد من المؤسسات وتدشين محافظ تمويلية لدعم عدد من مشاريع ذوي الدخل المحدود، مثل محفظة شركة الاتصالات " بتلكو" ، التي أسهمت في دعم 15 عائلة بحرينييه.
وقدم بنك الإبداع قروضاً تمويلية للمزارعين والصيادين من خلال تدشين محافظ تمويلية بالتعاون مع صندوق العمل " تمكين " ، استفاد منها خلال العام 2010م 84 مزارعاً و 365 صياداً.
التمويل الإسلامي الأصغر في البلاد العربية
لم تولي البنوك الإسلامية حتى الآن الاهتمام المطلوب للتمويل الإسلامي الأصغر وما زالت حصة التمويل الأصغر محدودة في الدول العربية ولاستجلاء خارطة التمويل الإسلامي الأصغر في المنطقة العربية، قامت الشبكة العربية للتمويل الأصغر في البلدان العربية – (سنابل) بإصدار استبیان للتمويل الأصغر الإسلامي في المنطقة العربية وجمعت بیانات من 36 مؤسسة تمویل أصغر عربیة كما یلي 12 مؤسسة من السودان 7 مؤسسات من فلسطین و 5 مؤسسات من الیمن و 4 مؤسسات من العراق، مؤسستان من الأردن، مؤسستان من لبنان، و مؤسسة من سوریا، وواحدة من مصر، وواحدة من البحرین، وواحدة من المملكة العربیة السعودیة. وقد تم جمع البیانات من كل من مؤسسات التمویل الأصغر التي تعمل بشكل متوافق تماماً مع الشریعة الإسلامیة وكذلك المؤسسات التي تعمل من خلال نافذة لتقدیم خدمات مالیة متوافقة مع الشریعة الإسلامیة بدءًا من الربع الأخیر من عام 2011 وحتى الربع الثاني من عام2012 وذلك بالتعاون مع المجموعة الاستشاریة لمساعدة الفقراء( سيجاب ) وبتمویل من الوكالة الفرنسیة للتنمیة .
وأوضح الاستبيان أن إجمالي محفظات 30 مؤسسة تمويل أصغر عربية تقدم التمويل الأصغر الإسلامي هي 567467 عميل بإجمالي قيمة تقدر 226.27 مليون دولار في عشر دول عربية و بمقارنة محفظات تلك المؤسسات مع إجمالي عدد عملاء التمويل الأصغر في منطقة الوطن العربي و قيمة المحفظات الوارد ذكرهما بالتقرير العربي الإقليمي لعام 2010 ( حيث أن انحراف قيم المحفظات العربية لا يؤثر في النتائج المقارنة ) فنجد أن إجمالي المحفظات النشطة لعملاء التمويل الأصغر في الوطن العربي في الربع الأول من 2010 هو 3 مليون عميل بمحفظات قيمتها 1.59 مليار دولار مما يعني أن نسبة عملاء تلك المؤسسات التي تضمنها الاستبيان و يتمتعون بخدمات التمويل الأصغر الإسلامي هي تقريباً 19 % من إجمالي عدد عملاء التمويل الأصغر العربي و قيمة محفظات التمويل الأصغر الإسلامي تمثل 14.2% من إجمالي محفظات التمويل الأصغر العربية .
فعند فهم وتحليل سلوك الفئات المستهدفة في المنطقة العربية وتوجهاتها نحو طلب التمويل الأصغر بالصيغة الإسلامية من عدمه فنجد أن ما يقرب من ثلثي عملاء سوق التمويل الأصغر في العالم الإسلامي إما يصرون على أو يفضلون التمويل الإسلامي (8).
لكن المؤشرات الفكرية والسلوكية لغالبية السكان لا تعزز ما توصل إليه الاستبيان حيث أثبتت عدة دراسات أن النسبة الغالبة من السكان خارج الدورة المصرفية لأسباب دينية وتدني نسبة المهتمين بالتمويل الإسلامي الأصغر لا تعكس في تقديري الصورة الحقيقة لتوجه الناس وموقفهم من هذا التمويل وقد يكون العزوف عن التمويل الإسلامي الأصغر إما لعدم الوعي أي تقصير من المؤسسات بالتعريف بمنتجاتها أو لأن بعض المتعاملين اطلعوا على ثغرات في الالتزام بالأحكام الشرعية فأصيبوا بإحباط وقاطعوا المصارف التي تقدم هذا لنشاط كما قاطعوا قبلها المؤسسات التقليدية.
التحديات التي يواجهها التمويل الأصغر
خلال السنوات الأولى من بداية التمويل الأصغر كان التحدي الرئيسي لهذه الصناعة هو إيجاد أساليب جديدة لتقديم وتحصيل القروض من الفقراء أصحاب المشروعات المصغرة، ولكن في الفترة الحالية أصبحت هناك العديد من التحديات التي تقف عائقا أمام نمو قطاع التمويل الأصغر، من أهمها :
Ø تحقيق الربحية والاستدامة المالية
Ø تحقيق معدلات أعلى من الانتشار أو معدل أعلى من الوصول إلى الفئات الأقل حظا
Ø وصول مؤسسات التمويل الأصغر إلى مصادر التمويل المستدام
Ø اندماج مؤسسات التمويل الأصغر في النظام المالي الرسمي
Ø ضمان الرقابة والإشراف الفعال على نشاط مؤسسات التمويل الأصغر،خصوصا فيما يتعلق بالتدابير المحددة من الجهات الرقابية المصرفية
Ø استخدام التكنولوجيا البنكية في مجالات تقديم خدمات التمويل الأصغر
Ø عدم خروج مؤسسات التمويل الأصغر عن مهمتها الاجتماعية
Ø حوكمة مؤسسات التمويل الأصغر
وبصفة عامة وبدون شك سيؤدي التغلب على هذه التحديات وغيرها من جعل صناعة التمويل الأصغر أكثر فاعلية وأقوى أداء(9)؟؟
لكن التحدي الأهم بالنسبة للتمويل الإسلامي الأصغر إنما هو الالتزام بالأحكام الشرعية والبعد عن محاكاة المنتجات التقليدية.
الخاتمــــــــــــــــة
مع أن النشاط التمويل الأصغر التقليدي حقق نتائج لا باس فيها خاصة من خلال تجارب بنوك الفقراء إلا أن تجارب البنوك الإسلامية في هذا المجال ما زالت محدودة ولم ترتق إلى المستوى المطلوب خاصة أن البنوك الإسلامية تتحمل مسؤولية أخلاقية أكبر من غيرها باعتبار رسالتها النابعة من تعاليم الدين الحنيف الذي يأمرنا بإعمار الأرض وتوزيع الثروة بعدل بين الناس والبعد عن أكل أموال الناس بالباطل وأن الربح يستحق بالجهد والمخاطرة والإنتاج انطلاقا من قاعدتي الغنم بالغرم والخراج بالضمان.
فالتمويل الإسلامي الأصغر يركز على الأصول الحقيقية ولا يشجع على تفاقم المديونية التي كانت السبب في كثير من أزمات النظام المالي العالمي.
وإضافة إلى الأبعاد الأخلاقية والتعبدية في السعي لتوزيع الثروة والتعامل في الأصول الحقيقية فإن الواقع يزيد من مسؤولية البنوك الإسلامية في هذا المجال حيث إن نسبة الفقر في البلاد العربية حسب بعض الإحصاءات تتراوح بين 34-38% وتصل النسبة في بعض البلدان العربية منفردة أكثر من 70% كما أن مئات الملايين من سكان الدول العربية يعانون من البطالة وعدم توفر فرص العمل.
إن الاهتمام بالطبقات الفقيرة والمحرومة من شأنه أن يسهم في القضاء على الإضطرابات السياسية والاجتماعية التي تعيشها بعض البلدان العربية بسبب تراكمات عقود من الظلم وغياب العدل في توزيع الثروة .
وهذه فرصة كبيرة للبنوك الإسلامية لخدمة المجتمع وإظهار رسالتها وما يميزها عن الأنظمة التقليدية التي تسعى إلى تكديس الثروات بأي ثمن دون الاكتراث بخدمة المجتمع ودون ضوابط عادلة للبحث عن الربح وزيادة الثروة.
وتحتاج البنوك الإسلامية إلى بنية متكاملة للتأسيس لتمويل إسلامي أصغر يسهم بشكل مباشر في مكافحة البطالة وتوفير فرص العمل للفئات المحرومة والعاطلين عن العمل كجزء من تنمية شاملة تراعي المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية لمختلف المجتمعات حيث تراعي مقاصد الشارع الكريم فتوفر الضروري وتلبي الحاجي ولا تغفل التكميلي.
والتمويل الإسلامي الأصغر هو جزء من المسؤولية الاجتماعية للبنوك الإسلامية التي انتقدت البنوك الإسلامية كثيرا بسبب تقصيرها فيها لأن تحمل البنوك الإسلامية لمسؤوليتها الاجتماعية ومراعاة متطلباتها لا يعتبر مندوبا في حقها ولكنه يعتبر واجبا تعبديا أخلاقيا تجاه المجتمعات المتواجدة فيها قد يرتقي لدرجة الواجب التعبدي الأخلاقي الملزم، لأن القيام بهذه المسؤولية يعد من الوسائل الأساسية لتحقيق مقصد عظيم وهو المساهمة في رفع الحرج عن المجتمع وعن الأمة جمعاء (10) .
المراجع
1- البنك الإسلامي للتنمية ، ملخص التقرير الخاص بالتمويل الإسلامي البالغ الصغر،ص.12.
2- أحمد أمين سعدالله محمد طالبي :واقع مكافحة ظاهرة الفقر في العالم العربي والاسلامي من خلال تجربة بنوك الفقراء.
3- جوديثبراندسما و لورنس هارت ،تحسين عمل التمويل البالغ الصغر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ،منشورات مكتب شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي،1998.ص.1.
4- SébastienBoyé et autres,Le guide de la Microfinance ,éditions d'organisation,Paris,2006,p.17.
5- المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء ، موجز الجهات المانحة، رقم 11،مارس 2003.
6- جوديثبراندسما ورفيقة شوالي، إنجاح التمويل البالغ الصغر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، منشورات مكتب شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، ص.1
7- عمران عبد الحكيم وغزي محمد العربي: برامج التمويل الأصغر ودورها في القضاء على الفقر والبطالة - كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير جامعة المسيلة
8- حسن إبراهيم : التمويل الأصغر الإسلامي في الوطن العربي ... ماذا بعد ؟
9- عمران عبد الحكيم وغزي محمد العربي: برامج التمويل الأصغر ودورها في القضاء على الفقر والبطالة - كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير جامعة المسيلة
10- د. محمد صالح عياش – المسؤولية الاجتماعية للمصارف الإسلامية طبيعتها وأهميتها ص 138.