تمثل الانتخابات الرئاسية حدثا هاما بالنسبة لكثير من المواطنين ،إذ من خلالها سيتم اتخاذ قرارات حاسمة بشأن حاضر ومستقبل البلاد. ولذلك كلما جرت هذه الانتخابات في ظروف مثالية تتحرك البلاد بسرعة نحو ترسيخ قيم الديمقراطية والسلاموالتنمية ، وإذا جرت تلك الانتخابات في ظروف سيئة فقد يؤدي ذلك إلى شَلِّ العملية الديمقراطية ويدفع البلاد إلى العنف وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي . وقد أجمع المراقبون الدوليون والوطنيون على نزاهة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في موريتانيا وأشادوا بالتدابير الأمنية وبمناخ الحرية الذي طبع كل مراحل تلك الانتخابات بدء بفتح باب الترشح وانتهاء بفرز الأصوات والإعلان عن الفائز الذي حظي بثقة الشعب واختاره بأغلبية مريحة ليقود البلاد خلال مأمورية السنوات الخمسة المقبلة . ولكي لا تضيع الاستحقاقات المٌنْتَظَرَة من وراء هذه الانتخابات يَتَوَقَعٌالمواطنون من الرئيس المٌنْتَخَبْ والحكومة الجديدة التي سَيٌعْلَنٌ عنها بعد تنصيبه مباشرة المبادرة إلى رفع مجموعة من التحديات التي بات تجاوزها شرطا مسبقا لخلق الأرضية المناسبة للنمو والاستقرار السياسي والاجتماعي .
أولا : التحدي السياسي عبر إعادة تعريف وظيفة رئيس الجمهورية والأدوار المٌنَاطَة بأعضاء الحكومة مع ما يترتب على ذلك من إعادة تنظيم للمشهد السياسي الذي شهد تحولا عميقا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة . فقد غيرت ممارسات بعض المترشحين للرئاسة طريقة ممارسة السياسة والتفكير في السياسة في بلادنا ، مما أدى إلى تفاقم الاستقطاب السياسي والاجتماعي وتعميق الشعور بالهوية العرقية الضيقة على حساب الانتماء الوطني . مجاوزة هذا التحدي السياسي يستلزم الالتفاف الجماعي حول مفهوم العيش المشترك التليد في بلادنا ورفض كل أشكال الابتزاز السياسي والاجتماعي سواء عبر المطالبة بالحوار أو التحريض على التظاهر أو عبر الاستعانة بالقوى الأجنبية التي تشجع بعض الممارسات السياسية اللاوطنية وتدعم أصحابها ماديا ومعنويا .
ثانيا : التحدي الإداري ، والكلمة المفتاح لمواجهة هذا التحدي هي ( الإصلاح الإداري ) ، أي ضخ قدرات وكفاءات وطنية جديدة في دهاليز الإدارة الوطنية وعلى كافة المستويات مع الاستفادة من خبرات كافة الأطر القديمة ورموز السلطة التنفيذية الفاعلة قَبْلَ وقٌبَيْلَ الانتخابات الرئاسية الأخيرة وإعادة تأهيلها لتولي مهام جديدة وخاصة في السفارات والهيئات والمنظمات الدولية تكريما لها واعترافا لها بالجميل على ما بذلته من جهد في سبيل النهوض بالدولة محليا ودوليا .
ثالثا : التحدي الاقتصادي ، رفع هذا التحدي يعنى أولا وقبل كل شيء إعلان الحرب على الفساد في جميع مجالات الحكم (الإدارة، الاقتصاد، السياسة، الأعمال، الخ) ’ فالفساد قضية شاملة يجب على الدولة معالجتها بشكل مباشر من أجل الإصلاحات ذات الأولوية. كما أنه لا إصلاح اقتصادي بدون إعادة توزيع الثروة على الجميع عبر زيادة الرواتب وخلق فرص العمل وخفض أسعار المواد الغذائية والمحروقات ، هذا فضلا عن دعم مؤسسات وطنية رائدة في مجال العمل التنموي ومحاربة الفقر مثل تآزر .
رابعا : التحدي الأمني ، ويتمثل في تعزيز مفهوم الأمن القومي عبر محاربة الهجرة غير المشروعة ومضاعفة عقوبة تزوير الوثائق الوطنية ، ومواجهة كافة أشكال التطرف والتعصب والعنف الوافد من خارج حدود البلاد .
يبقى أن إصلاح التعليم بالمفهوم الشمولي للعبارة هو المدخل إلى رفع كل تلك التحديات التي هي في الحقيقة بمثابة إصلاحات أساسية وضرورية للإقلاع الاقتصادي وتعزيز الاستقرار والسلام الدائم في بلادنا. و لا بد من الإشارة إلى أن لحظة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في بلادنا هي اللحظة المواتية للتغلب على كل تلك التحديات والبدء في تنفيذ الإصلاحات التي تلبي تطلعات المواطنين في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
الدكتور سيدي محمد يب أحمد معلوم
أكاديمي وخبير دولي في مجال إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات