حول السجال بين جميل منصور والحسن ولد محمد

قرأت رد الاستاذ جميل على العمدة الحسن، وخرجت ببعض الملاحظات أكتفي بإيجازها في اثنتين:

1- النقطة المحورية في كلام العمدة أصلا كانت في استغرابه الوجيه لكون المغادرين لم ينضموا لتوجهات أخرى معارضة حتى يكون تركهم للحزب لمآخذ في العمل المعارض ومقارباته، فيكون تحركهم وفق ذلك انزياح أفقي ضمن خط المعارضة وتموضع في أحد مدارات العمل المعارض؛ فأغلبهم توجه مباشرة ودون محطات اترانزيت للسلطة! هذا استفهام وجيه لا تنقصه الموضوعية. 
هذه النقطة لم أجد فيها، كمتابع منتظم لتفاعلات الحزب ومواطن مهتم بشؤون المعارضة عموما، أي رد متماسك من جانب الاستاذ جميل حيث اكتفى بالتذكير بمبررات ثلاثة متعلقة بنواقص في منسوب الانفتاح وضعف المؤسسة وما أسماه التراجع في المسالة الوطنية خطابا و.تركيبا للهيئات القيادية. طيب، وهل في النظام ضالة من يفتقد تلك المعطيات في حزب معارض؟! ثمة فراغ هنا لا تخطئ هوتَه العينُ المنطقية المجردة! بل إنه، وهو الممتلك لناصية الحجاج السياسي عادة، استخدم تقنية جدال جيء بها تهادى لتقام في سطر الصياغة: حيث ذكر ان "الموقف الإيجابي من النظام اختيار مثل الموقف السلبي منه" مضيفا أنه لا سبيل لتقبل هذا وشيطنة ذلك: هذا رد غير مناسب تماسكا حقيقة، من وجهين:
- أن الاستاذ الحسن كان واضحا في حزه في مفصل التعامل السياسي بين الحزب والنظام إن حصل وفق توافقات سياسية تحقق للحزب مستويات مقبولة في مقاربته للشأن الوطني، كما هو وارد في العرف السياسي، من جهة، وبين التعامل مع النظام هجرة إليه بصيغة ذوبان وتبعية، من جهة أخرى.
- أن عبارة الاستاذ جميل تلك تختزلcourt-circuitage دارة معقدة لتلتف على نتوءات موضوعية كثيرة: ما دوافع الموقف الايجابي من النظام لدى رجل سياسة معارض له تاريخ نضالي عريق مميز، وما معايير ذلك الموقف؟ وهل الموقف السلبي من النظام خيار يساق هكذا في حال حزب معارض أصلا، إذ من الطبيعي أن المعارضة تعني إطارا عدم الموافقة وانتفاء الود السياسي المسبق اتجاه النظام، وهل يستقيم أن نخلط إمكان تغير الموقف السلبي من جانب حزب اتجاه النظام وفق ظروف وأعراف إدارة للصراع السياسي تقعَّد استثناءاتُها بمقاصدية معينة، وبين خيارات الآحاد -إن هم فضلوا نزع جلباب المؤسسة- في مخالفتهم للمؤسسة وتصرفهم التقديري الحر؟ 
لا يخفى حقيقة حجم الاختزال في تمرير تلك المساواة الجبرية بين التقرب من النظام وبين معارضته واعتبار الأمرين، موافقة النظام ومخالفته، "خيارا" في القيمة المطلقة الرياضية تحييدا للإشارة الجبرية فحسب، خاصة وأن الكلام عن قائد معارضة له تاريخه مثل جميل منصور، وحزب نشأ (ترخيصا) معارضا بعد ان كان قد بلغ الشباب متأطرا في الحاضنة الايديو-سياسية الاسلامية في الطور الحركي، واستمر كذلك؛ تلك المساواة مقارنة بين مُتَّجَهَيْ الموقف من النظام قفزةٌ في فراغ التملص من قيد موضوعي وضعه العمدة الحسن اصلا عندما حدد معاني كلامه. ما يهمني كمتابع فيسبوكي في كل ذلك هو أن تكون الشخصيات الوطنية المتصدرة للشأن مراعية لنضج متلقيها، وغير معولة كثيرا على معين سطحيته.

2- أن الاستاذ جميل، ليس فردا من آحاد هواة السياسة والقواعد الناشئة في الحزب، وليس ضيف شرف من معارضات اخرى مر بالحزب من شرفة "اللوج" الجانبي، فيكون لتصرفه حكم الخيار الشخصي المسكوت عنه هامشا، كلا. فكيف يفسر نقلته هذه -تحملا لمسؤولية المتأثرين به فعلا نضاليا- والنظام لم يطرأ من جانبه شيء يذكر - يبيح الترخص - في الميزان الاصلاحي او في المضي في تغيير حالة الفساد (أي عناوين معارضة الاستاذ جميل التي بذل فيها كثيرا لعقود مضت، وقارع جيلين من الانظمة ونال منه التهميش والتضييق)؟ فإن هو ركن الى ملاحظاته الثلاثة بشأن تركه تواصل-الحزب، وتجاوزناها جدلا، فكيف يقدم مسوغات مداخله للانضمام للنظام! فالعلة هنا ليست متعلقة بالترك بل بالإتيان؛ لا إشكال في تفهم تركه للحزب وله في ذلك مداخل دفع وتبرير تجعله في فسحة من أمره نسبيا، إنما الإشكال (الاستفهام الموضوعي المنصرف لشخصه مناضلا ومنزلته) في انضمامه للسلطة بالمعنى السياسي، ولم يطرأ -في مذهب الظاهرية على الأقل- أن مياها جرت تحت جسر الاصلاح من جانب النظام، لا في الرجال سند انتقال للسلطة ولا في متن السياسة التنموية ولا في تحسين ضعيف كان معلوم الضعف في رواية النظام، ولم يرتسم منعرج جدي في مكافحة الفساد؛ وأما الفتح والعلم اللدني فليسا من معطيات العلم الموضوعي في تقويم القرارات السياسية ضمن خلفيات مؤسسية، ولا في استيفاء مسوغاتها ردا على من يهمهم أمر متخذيها؛ من باب المساءلة بين القواعد وقادتها مرورا بمؤسستها الحزبية!

تلك نقاط من متابع خارج المصعد -على قول أهل الفيزياء- خطر لي ان اسجلها ملاحظات سريعة إثراء لنقاشات التواصليين، وكلاما بما احسبه مسكوتا عنه من بعضهم رغبة في حفظ بيضتهم، وتقديرا لكونهم، رغم بعص النواقص والتراكمات، لديهم توجه يحفظ نواة النموذج الحزبي السياسي المعارض القابل للاستدامة لو تُعهد وثبت توجهاته فتثبيتها اهم من تجديد قادته (وللدكتور الشنقيطي مقال نشره في شأن تلك التجديدات حين حصلت بحماس، يستحق النظر؛ فقد تنبأ ضمنيا بما يعين في فهم ما تكشف اليوم من إشكالات في نواة القيادة وتبعثرها). ولعل تلك النقاشات ستشهد زخما مفيدا يوصل لقواعدهم ما يجيب على استفهامات تتسمر على شفاه شبابهم وهم يتابعون خرجات قادتهم وتحيزاتهم، وهي استفهامات يستحسن التعاطي معها بمنسوب مصارحة والتزام  اعلى من الحاصل حاليا.

سبت, 08/06/2024 - 11:04