كانت تجربتي في صنعة فهارس مخطوطات موريتانيا، قد ساعدتني على معرفة أماكن المخطوطات النادرة، مما جعلني أقوم بتأليف كتاب مستقل عن أسمائها، وسمته بمعجم أسماء المخطوطات الموريتانية. وقد كنت في كل سفر من الأسفار التي قمت بها، أراجع المخطوطة وأتعرف على وسيلة الكتابة مما جعلني أتعرف على أنواع من الكتابة على عدة وسائل من أهمها الورق بطبيعة الحال، مميزا ببعض الألوان، خضراء تارة وصفراء تارة أخرى، ومذهبة في بعضها الآخر. غير أنني كنت أدقق في بعض الأوعية الأخرى لعلني أصل إلى تلك الوسائل البدائية التي كتبت عليها الوثائق والمخطوطات في غابر الأزمان، وما ضاعت تلك الجهود فقد وقفت على بعض المخطوطات التي كتبت على رق الغزال، فالرق وجلد الحيوانات، واللخاف، وسعف النخيل، وغيرها تعتبر من الأوعية البدائية التي كتب عليها.
غير أن ما قلته عن المخطوطات التي كتبت على رق الغزال، لا يتجاوز البضع، إذ يعتبر النادر، والنادر قليل ما يتحدث عنه، ومن هنا كان علي أن أفيد القارئ بما أعرفه من تلك المخطوطات، وأين مكانتها؟ وما قصة اكتشافها؟
فالذي أعرفه هو أن أول مخطوطة نسخت على رق الغزال هي:
مخطوطة مروج الذهب للمسعودي المتوفى سنة 346ه، اكتشفتها بعثة من المعهد الموريتاني سنة 1980، في مدينة وادان، وجاءت بها إلى المعهد في حالة متردية، ثم في وقت لاحق بعثت بها إلى إسبانيا وتم ترميمها بصفة جيدة وأعيدت إلى المعهد، وأصبحت من مقتنياته، فهي نادرة بحكم الورق التي كتبت عليه، كما أن الكتاب نفسه نادر بحكم موضوعه ومؤلفه. والنسخة مبتورة الأول والآخر، خطها مغربي.
النسخة الثانية، وهي نسخة الجزء الرابع من صحيح البخاري، وقد اكشفتهابنفسي إبان مقامي في مدينة تجكجة قصد فهرسة مخطوطاتها لصالح المعهد الموريتاني للبحث العلمي. وهذه النسخة توجد في مكتبة حمودي بن المهابه، وعدد أوراقها 100 ورقة، وقد ذكرتها ضمن مقالي عن مكتبات تجكجةالمنشور في مجلة الموكب الثقافي التي تصدر عن اللجنة الوطنية لليونسكو. وهي الأخرى نادرة كصاحبتها المتحدث عنها سابقا.
أما النسخة الثالثة، فهي مخطوط الفصيح، وهو مخطوط في النحو لأحمد بن يحي الشيباني المعروف بثعلب، ويتميز بكونه مخطوط بالكامل على رق الغزال سنة 600 هجرية، ويوجد في مكتبة مولاي امحمد بن أحمد شريف في مدينة شنقيط.
أما النسخة الرابعة، فنتحدث عنها بصيغة الغائب، إذ أنها كانت موجودة في مكتبة آل أحمد محمود بمدينة شنقيط العامرة، لكن أيادي الشر اختطفتها وجعلتها في غيابات الجب، فلم يعرف عنها أي شيء كما هو الشأن بغيرها من المخطوطات التي سرقت من المدينة.
والنسخة أكرم وأشرف وأعتق، فهي نسخة من المصحف الشريف كتب على رق الغزال، لا تقدر بثمن، ولا تضاهيها مخطوطة، وسرقتها جريمة كبرى. وقد تم اكتشافها في منزل مهجور كانت مخطوطات أحد علماء الأسرة قد نقلت إليه إبان مرضه، وفي فترة ما قررت الأسرة إعادة تثمين تراثها، فذهبت تبحث عن تلك المخطوطات وتجمعها من هنا وهناك حتى أخرجت كنوزا ثمينة من بينها تلك التحفة النادرة، بقيت مدة من الزمن وهي قابعة في المكتبة تعرض لزوارها باعتبارها من نوادر المكتبة حتى ذهبت إلى مصيرها مثل النوادر التي لا تعود.
فهذه النماذج هي التي وقفت عليها في مكتبات الوطن، ولعل هناك غيرها مما لم أقف عليه، فالتمام لله وحده.