كانت بداية اشتغالي بتراث العلامة النابغة، عندما حقتت ونشرت نصه الرائع عن صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والموسوم ب" أنوار البروق شرح قصيدة زروق". وقد جمعت من تراثه ما وصلت إليه يداي، فكان من فضل الله علي أن قمت ثانية بتحقيق ونشر شرحه الموسع عن القصيدة المنسوبة لإبراهيم التيمي، وذلك ضمن كتابي: "نوادر المخطوطات الموريتانية". ثم ما لبثت أن وقفت على كثير من مؤلفاته القيمة التي أحصيتها في عملي المتقدم الذكر ومعظمها كان من الضائع من تراثه.
ومن أهم ما وقفت عليه من تلك المؤلفات شرحه تنوير الآفاق على لامية الزقاق، وفيه من النصوص الضائعة لبعض مؤلفي بلاد شنقيط الشيء الكثير. غير أن نصه الآخر الموسوم ب" كالعدم على لامية العجم" يعتبر من النصوص اللغوية المفيدة والتي ماثل فيها شرح لامية العجم، لكل من عبد الله بن سيدي محمد بن اب، وعُثْمَان بن عَمْر اليُونُسِي، فهذا وغيره من تراث هذا العلامة استحق مني الدرس والتمحيص والعناية بنشره لمن يرغب في ذلك.
غير أن القصد من كتابة هذا المقال، هو ما رأيته من اختلاف حول بيتين، تقلهما صاحب الوسيط، ونسبهما للعلامة عبد الله بن الحاج حمى الله المتوفى سنة 1209ه، خال النابغة، وهما قوله:
ولم يجز لأحد وعمـــــــــــــــــــــــــــــــــم في الحوض مطلقاً سوى التَّيَمُّم
ضَرَرُ ماء صحَّ عن تجريب بخبر العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالم الطبيب
وقد استمعت إلى بعض المحاضرين ينسبهما له، غير أنني وقفت على ترجمة للعلامة عبد الله كتبه الدكتور أحمد ولد امحمد سيدي يقول فيه" ولكن القول الفصل في ذلك أن نسبة هذين البيتين له غلط كما نبه على ذلك: محمد يحي الولاتي المتوفى سنة 1330هـ حيث نسبهما إلى النابغة الغلاوي وأكثر في الرد عليهما، وكذلك نفاهما عنه أيضا الشيخ سعد أبيه المتوفى سنة 1335هـ وذكر أن قائلها رجع عن قوله وقال: إن مراده بالحوض ولاته إذ هي أعظم مدنه".
وتفصيل ما قاله الدكتور أن البيت الأول منسوب له في نظمه الموسوم ب" الخوض في تحريم الوضوء في الحوض" حيث قال في المقدمة:
قال محمد هو النابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــغه هذا وهذي حكمـــــــــــــــــــــــــة بالغه
جمعتــــــــــــــــــــــــها ردا على الذي خرج عن كون دين الله يسرالـحرج
فقلت من بعـــــــــــــــــــد الصلاة والسلام على النبي وفــــــق تنزيل السلام
ثم أرف على هذه الأبيات:
ولم يجز لأحد وعمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم في الحوض مطلقا سوى التيمم
وأتبع البيت بقوله:
لا مثل من قد كان في الشرق كمن عند بحيرة بشاطئ كـــــــــــــــــــــــــــــــــمن
إذ ضر ماء صح بالتجريــــــــــــــــــــــــــــــب وخبرة تواترت تجريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبي
فلم يرد الشطر الثاني كما رواه صاحب الوسيط. غير أن للنابغة نظما آخر سماه: الطريقة المثلى حيث قال:
سميتها الطريقة المثلى لمـــــــــــــــــــــــــــن رام سلوكها من أبناء الـــــــــــــــــــــزمن
ذكر فيها رواية الشطر الثاني، مع ذكر بأن هذا النص خاص بأهل ولاتة، حيث يقول:
فالماء في ولاة لا يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــحل به الوضوء غالباوالغـــــــــــــــــــــــــــسل
إذ ضره قد صح بالتــــــــــــــــــــــــــــــجريب وخبر العالم والطبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيب
فهذا النص يؤكد ما ذهب إليه الشيخ سعد أبيه فيما ذكر الدكتور في الفقرة السابقة. وحتى أوثق أن هذا النظم للنابغة أثبت هنا قوله:
قد انتهى نسجها لكنه حســــــــــــــــــــــــن من نسج داوود في الهيجاسرابــــــــــــــيل
نساجها ملقب بالنابغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه وصبغة الإله هي الصابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــغه
فهذا كله يثبت أن البيتين للنابغة، ذكرهما في نصين مختلفين، إلا أن يكون العلامة عبد الله قد قالهما في فترة معينة، ثم ضمنهما النابغة في نظمه، ونحن بإثبات النصوص لا يسعنا إلا أن نثبتهما له حتى يتبين لنا عكس ذلك، مع العلم أن العلامة النابغة قد استفاد من علم خاله في عدة مواضع وأشاد بذلك في مؤلفاته، وما نص تنوير الآفاق منا ببعيد.
وما كتبته في هذا المقال لا يعدو أن يكون توثيقا وتحقيقا من خلال بعض النصوص الضائعة للعلامة النابغة، وإلا فإن القضية قد نوقشت من قبلي وأثبتها العلماء والدارسون.