إن بلادنا، بوصفها نموذجًا لدولة ناشئة، شهدت في السنوات السابقة تحديات كبيرة وتقلبات سياسية. لقد عاشت عقودًا من الانقسام العميق بين المعارضة والسلطة، مما أدى إلى عجز في تحقيق النمو والاستقرار الذي يتطلع إليه الشعب الموريتاني. كان هذا الانقسام سببًا رئيسيًا في التوترات السياسية وعجزت بلادنا خلال تلك الفترة عن تحقيق إمكانياتها الكاملة ومواجهة التحديات المحلية والإقليمية.
وهنا يأتي الجانب الآخر من المعادلة: الإضطرابات الخطيرة التي تجتاح إفريقيا بصفة عامة ودول الساحل خصوصًا. وكذلك الأرهاب المتنامي في الدول المجاورة الذي يشكل قلقًا كبيرًا بالنسبة لنا، مما يجعل الوضع أكثر حساسية. هذه التحديات تُظهر بوضوح أنه لا مجال للانشغال بالصراعات الهامشية التي قد تُستخدم كوسيلة لزعزعة الاستقرار الوطني.
وفي هذا الاطار، يبدو أن هناك فجوة أمل جديدة تتجلى في الأفق وهي فتح قناة جديدة للحوار والتعاون من خلال "الميثاق الجمهوري" بين حزب إنصاف وحزبي التكتل واتحاد قوى اتقدم.
إن هذا التوافق الذي يأتي على أعتاب نهاية ولاية الرئيس الحالي، وفي ظل التوقعات المحتملة حول ترشحه لولاية جديدة، بشكل بلا شك موضوع ذو طابع استراتيجي يستحق التأمل.
من الممكن أن يكون هذا التوافق جزءًا من استراتيجية مدروسة لضمان دعم واسع من قبل فصائل المعارضة لترشح الرئيس مقابل التزامات غير معلنة تعود بالفائدة عليها.
بغد النظر عن الخفايا والتحاليل التي قد تكون خاطئة، فإن هذا الميثاق يعتبر في مضمونه خطوة جريئة من الطرفين نحو تحقيق التكامل الوطني، حيث يضع أمام المعارضة فرصة غير مسبوقة للمشاركة بنشاط في بناء الوطن.
هنا، المعارضة لا تقتصر على الأحزاب التي وقعت على الميثاق فحسب، بل تمتد لتشمل جميع الأفراد الوازنة والمجموعات السياسية التي تتبنى أفكارًا ورؤى مغايرة في مسارات تنموية مستدامة للبلاد.
إن الميثاق المذكور، ليس مجرد وثيقة، بل هو عهد ووعد ببناء مستقبل أفضل وإذا تم تنفيذه بحذافيره، قد يكون الخطوة الأولى نحو تحقيق الاستقرار والتقدم.
لكن نجاحه يتطلب أن يكون هناك سقف آجال محددة لتحقيق أهدافه.
هذا التحول في السياسة الوطنية، إذا تم تنفيذه بنجاح، قد يُعيد لموريتانيا بريقها ويساهم في استعادة ثقة الشعب بأجهزة الدولة. وهذا ما نأمل أن نشهده في السنوات المقبلة.
في الختام، يظل التحدي الأكبر هو كيفية ترجمة هذا الميثاق إلى إجراءات عملية تساهم في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الطويل الأمد لموريتانيا.
المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي