تعقد دول الساحل الأفريقي آمالا كبيرة على روسيا بعد فك ارتباطها بفرنسا، المستعمر السابق الذي استقلت عنه، في حدث عالمي يعد حلقة من حلقات صراع القوى الغربية الدائر مع روسيا في أوكرانيا وقبلها في سوريا. - روسيا لم تبذل أي جهد يذكر في إحداث هذه العاصفة، كانت تقارير سابقة تحدثت عن "آلة دعائية روسية" ضخمة ضد الغرب وضد فرنسا على وجه الخصوص، وأنها استطاعت إحداث تأثير كبير بين النخب والمهاجرين الأفارقة، ما هيأ الشارع في منطقة الساحل بالانقلاب على فرنسا، واستبدالها بالدب الروسي.
- في مالي، كان هناك نحو 5 آلاف جندي فرنسي في قوة بارخان، وبضعة آلاف في قوة "تكوبا" المشتركة، وأكثر من 15 ألفا من قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام والتنمية، وكانوا جميعا حائلا دون سقوط باماكو بأيدي الجماعات الإرهابية المتطرفة منذ عام 2012. - فاجأت باماكو القوة السابقة، وطلبت منها الرحيل فورا، لأنها كانت دون توقعاتها، إذ اعتقدت أن وصول هذه الجيوش مجتمعة، سيقضي فورا على الجماعات الإرهابية خلال فترة وجيزة، وسيخضع أيضا الجماعات المسلحة في أزواد التي طالبت بتحقيق العدالة لها.
- رأت مالي أن توقعاتها لم تتحقق، وأن الأفضل لها البحث عن شريك آخر، هو روسيا من خلال مليشيات فاغنر، التي تم استقدامها على عجل لحماية النظام الهش الذي أتى على رأس انقلاب عسكري.
- تحدثت وسائل الإعلام في البداية عن قدوم نحو 1000 فرد من مليشيات فاغنر لباماكو بعقد يساوى 10 ملايين دولار أمريكي شهريا، وعقود لاستغلال مناجم الذهب والمعادن في مالي بحصة لفاغنر بلغت 75%.
- في مارس 2022 سلمت روسيا لمالي أسلحة وطائرات هيلكوبتر هجومية وأنظمة رادار متقدمة، وفي مطلع العام الجاري 2023 حصلت مالي على 8 طائرات ومروحيتين في حفل حضره السفير الروسي في باماكو.
- وجود فاغنر وطبيعة عملها في مالي كان غامضا في البداية، بعد تصريحات مسؤولين في مالي وروسيا، أن وجود المليشيا يقتصر على مدربين فقط للجيش المالي، غير أن تقارير الأمم المتحدة وشهادات السكان كشفت عكس ذلك، إذ اتضح أن فاغنر منخرطة تماما في عمليات الجيش المالي، ورصدت تقارير وصور فيديو لطائرات بدون طيار انتهاكات فاغنر وقتلها للمئات من السكان العزل بزعم محاربة الإرهاب مع مالي.
- والشهر الماضي، كانت مليشيات فاغنر تسير جنبا إلى جنب مع الجيش المالي في مساعيه لاستعادة السيطرة على مناطق الشمال التي أخلاها الجيش الفرنسي وقوات الأمم المتحدة.
- أدى مقتل زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين إلى إحداث بلبلة كبيرة عن ما سيصبح عليه عمل فاغنر في الساحل، لكن زيارات لوفد روسي كبير مؤخرا لبوركينافاسو ومالي طمأن شركاء روسيا الجدد، في أن دعم موسكو لها قائم ومستمر بفاغنر أو بغيرها. - من المنتظر الآن، بعد الزيارة التي قام بها نائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك لمالي وبوركينافاسو، أن تعيد هذه الزيارة صياغة وشكل التواجد الروسي في الساحل، ما إن كان سيستمر عبر فاغنر التي ينتظر تعيين قائد جديد لها، أم سيتحول للدولة الروسية بشكل مباشر.
- مراقبون للشأن الروسي استبعدوا انخراط الجيش الروسي نفسه في أي نوع من العمليات في الساحل، بسبب حرب أوكرانيا، ولبعد المنطقة وتكلفتها العالية التي لن تتحملها روسيا ولا دول الساحل الفقيرة. - يجري الحديث عن سيناريو آخر هذه الأيام عقب زيارة نائب وزير الدفاع الروسي للمنطقة، في أن موسكو تحضر لجمع ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل متطوع ليحلوا محل فاغنر في مالي، وليقوموا بكل الأعمال التي كان بريغوجين يعتزم القيام بها، فضلا عن تقديمهم للدعم العسكري الذي وعدت موسكو بتقديمه.
يضاف إلى ما سبق، أن روسيا عازمة على المضي في إتمام "مشروعها" في أفريقيا، عبر مزاحمة الوجود الغربي في القارة، وإقصاء أعدائها في أوكرانيا وعلى راسهم فرنسا، وهو ما نجحت في فعله في عدة دول.
والسؤال، مالذي يمكن فعلا لروسيا تقديمه لحلفائها في القارة باستثناء بضع طائرات عسكرية وأطنان من الذخيرة، والمزيد من المرتزقة الذين يمكنهم المشاركة دون رقيب في أية عمليات قتل ضد معارضي هذه الأنظمة، في وقت تتطلع فيه شعوب الساحل المنهكة لمن ينتشلها من سنواتها العجاف التي عاشتها تحت سلطة كانت خاضعة لفرنسا؟
عمر الانصاري