أصدر حزبا اتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية وثيقة تنص على " إنشاء تفاهم سياسي وطني جمهوري وديمقراطي يدعى الميثاق الجمهوري مفتوح أمام جميع الفاعلين السياسيين الراغبين في الانضمام " إلى الحزبين وشركائهم السياسيين الداعمين لنص الوثيقة من حزب الإنصاف ، وذلك من أجل تنفيذ مجموعة من الإصلاحات يٌمْلِيهَا منطق التدبير السياسي الإستباقي لمواجهة تحديات داخلية وإقليمية وعالمية قد يشكل تجاهلها تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار السياسي في البلاد . وقد أشارت هذه الوثيقة المقترحة من طرف الحزبين إلى أن هذا "الميثاق الجمهوري سيعمل على جميع الأصعدة " وإلى أن " الأطراف المٌوَقِعَة عاقدة العزم على مواجهة التحديات ، والعمل على " إرساء نظام يقوم على العدالة الاجتماعية وسيادة القانون والديمقراطية ". القراءة المٌتَأنِيَة لخارطة طريق الوثيقة و" ملحق الاتفاق السياسي " الخاص بها تٌظْهِرٌ للوهلة الأولى أن الوثيقة ليست مجرد إعلان عن نوايا حسنة أو اعتراف بما تحقق في عهد رئيس الجمهورية ومن خلاله حزب الإنصاف من تهدئة سياسية ، وانفتاح وتشبث الرئيس " بالقيم ومشاريع الإصلاح التي دافعت عنها المعارضة " باستمرار ، كما ورد في نص الوثيقة ، بقدر ما هي في الواقع دعوة صريحة إلى مراجعة شمولية للمشهد السياسي برمته. يٌسْتَشَفٌ ذلك من دعوة الحزبان إلى " ضرورة التشاور بين الشركاء السياسيين حول كافة القضايا الوطنية الجوهرية ..." ومن تأكيدهما على إجراء الإصلاحات المطلوبة " في إطار وطني شامل وتشاوري على شكل ورشات انطلاقا من قائمة الموضوعات الملحقة بالاتفاق " . كما ذكرت الوثيقة عوامل داخلية وخارجية تجعل من المراجعة الجماعية لهذا " الميثاق الجمهوري " واجب لا يتم الواجب السياسي إلا به : مَكْسَبٌ القطيعة مع نظام العشرية المٌنْصَرِمَة الذي رفع شِعَارَ من ليس معي فهو ضِدِي ، " تلاقي الإرادات بين فخامة رئيس الجمهورية والمعارضة " ، " حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن السائد في المنطقة ... في سياق أزمة دولية حادة تتميز على وجه الخصوص في اندلاع حرب شبه عالمية " .
قد يتبادر إلى الذهن أن هذه المبادرة السياسية هي محاولة من الحزبين للعودة للواجهة السياسية والالتحاق بالركب السياسي الذي أصبحا في مؤخرته أو أنها رؤية إستراتيجية تلقى آذانا صاغية لدى سلطات عليا لا تؤمن بالعدمية السياسية ومنطق من ليس معي فهو ضدي وبالتالي حريصة على البقاء والحضور الفعلي والرمزي لكل الأحزاب في الساحة السياسية الوطنية ، إلا أن مبادرة " الميثاق الجمهوري " تمثل علاوة على السياقات التي ذكرنا سالفا مبادرة عقلانية ورصينة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بهدف تَحْصِينِهِ من تداعيات مخلفات العشرية المنصرمة وتحديات المرحلة الراهنة .
يبقى السؤال المطروح ما إذا كانت الوضعية السياسية الراهنة للحزبين تؤهلهما عمليا لإدارة هذه المقاربة الشمولية للمشهد السياسي في ظل تدني شعبيتهما خلال انتخابات 13 من مايو 2023م وفي ظل تَحَفٌظْ لا بل رفض بعض الشخصيات السياسية المٌؤَثِرَة للوثيقة وسكوت أحزاب أخرى ربما لأنها لم تعد ترى في الحزبين نِدَيْنِ سياسيين في موقع يسمح لهما بإطلاق هذا النوع من المبادرات السياسية العملاقة خاصة بعد نتائج العملياتالانتخابية في شهر مايو المنصرم . وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الإصلاحات المقترحة في وثيقة الميثاق الجمهوري معروضة للتشاور الوطني الشامل ، وأن " الاتفاق مازال محل بحث من طرف العديد من الأحزاب السياسية " فإن مصير المبادرة سيبقى محفوفا بالضبابية وعدم اليقين على الأقل إلى حين معرفة طبيعة ردود فعل مختلف القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في البلاد .
الدكتور سيدي محمد يب أحمد معلوم
خبير في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات