تمر علينا اليوم ذكرى الثاني من أغسطس، يوم احتل العراق الكويت، وهو من أصعب الأيام التي عرفتها الأمة في العصر الحديث، إذ شكل مرحلة تمهيدية للزيادة في تشتت الأمة وسقوط بغداد وانهيار أكبر وأهم قوة عسكرية وعلمية عربية في هذا العصر.
سأتناول في هذي الفقرات جانبا من أسباب غزو العراق للكويت فضلًا عن ذكر الرسائل المتكررة التي وصلت للقيادة العراقية محذرة من مستقبل مظلم للعراق دون أن تؤخذ هذه الرسائل في الإعتبار، على مايبدو.
ومعظم المعلومات الواردة في هذا النص مستقاة من مذكرات ومقابلات بعض كبار المسؤولين العراقيين الذين خدموا مع صدام حسين مثل عصام جلبي وزير النفط العراقي الأسبق والفريق الركن رعد الحمداني قائد الفيلق الثاني في الحرس الجمهوري والسفير عبد الجبار الدوري والسفير على السبتي والخبير النفطي العراقي رمزي سليمان.
وقد تابعت حلقات من هذه المذكرات كما قدمها المؤرخ العراقي الدكتور حميد عبد الله في برنامجه "تلك الأيام".
الموقفِ من صدام حسين
صدام حسين هو أحد أبرز قادة الأمة في هذا العصر وله مواقف مشهودة تذكر وتشكر ولكنه في المقابل ارتكب سلسلة أخطاء استراتيجية قاتلة كانت نتيجتها ما آل إليه حال العراق اليوم والأمة عموماً.
اختلف حوله الناس، كما هو الحال بالنسبة لأمثاله، بين مؤيد تأييدا مطلقا لكل سياساته وبين ناقم وناكر لكل حسناته، أما العدل فهو وسط بين هذا وذاك.
يذكر لصدام حسين على وجهِ الخصوص دعمه السخي لموريتانيا في عدة مجالات مثل بناء التلفزيون الموريتاني، لكن دعمه المتميز تمثل في وقوفهِ القوي إلى جانب موريتانيا في صراعها مع السنغال إذ زود الجيش الموريتاني بأسلحة متطورة كانت بفضل الله سببا في تغيير موازين القوى وكان من نتيجة ذلك عدم وقوع الحرب التي كانت ستكون كارثة على البلدين.
وقد عبر الرئيس السنغالي الأسبق عبدو ضيوف، في مذكرات، عن تأثير تدخل العراق على مسار الأزمة الموريتانية السنغالية.
يقول ضيوف في مذكراته:
(لقد تأكدت من ذلك من خلال سفيرى فى باريس ماسامبا سارى الذى حصل على هذه المعلومة من فم السفير العراقى فى باريس ، فخلال لقاء بينهما فى باريس أبدى السفير العراقى أسفه لما حصل بين البلدين الشقيقين وأكد له أنه فى حال لو نشبت حرب بين السنغال وموريتانيا فإن العراق سيقف بقوة إلى جانب موريتانيا لأن تلك الدولة جزء من الأمة العربية،
فالأمر يتعلق بدعم مبني ليس على الدين وإنما على إيديولوجية حزب البعث أي القومية العربية).
ويضيف ضيوف:
(…وتأكدت من ذلك، فبعد انتهاء النزاع وبعد أن هدأت الأنفس علمت أن القوات المسلحة الموريتانية كانت فى الحقيقة أفضل تسليحا كثيرا من القوات السنغالية،
كان صدام قد جهزها بالصواريخ والأسلحة الأخرى المتطورة وكانت خطتهم عندما تبادر السنغال بالهجوم فإن القوات الموريتانية ستكون جاهزة لتدمير سان لويس ثم داكار بعد ذلك).
ولا ننسى ما خص الله به هذا الرجل من خاتمة حسنة بترديد الشهادتين قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه.
انعكاسات الحرب العراقية الإيرانية على أزمة العراق والكويت
خرج العراق من حربه مع إيران منهكًا اقتصاديًا وماليًا ومديونًا بعشرات المليارات من الدولارات، وفي محاولة لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي في العراق دعا العراق لاجتماع لوزراء النفط في دول الخليج العربي، وقبل الاجتماع زار هشام ناظر وزير النفط السعودي بغداد وقابل الرئيس صدام حسين الذي قال له إنه يوافق على ما سيتفق عليه هو ووزير النفط العراقي عصام جلبي، وعقد اجتماع وزراء النفط في جدة يوم 10 يوليو أي قبل ثلاثة أسابيع من غزو العراق للكويت، وحضر الاجتماع وزراء النفط في العراق والسعودية والكويت والإمارات وقطر وتوصل الاجتماع إلى حد أدنى من التفاهم وكان وقتها سعر البرميل يتراوح ما بين 10-12 دولار، ولكن نتائج هذا الاجتماع أثر عليها سلبا تصريحان صدرا من إيران ومن الكويت حسبما يقول الدكتور حميد عبد الله:
فقد أعلنت إيران أنها تريد رفع سعر النفط إلى 35 دولار، والغريب أن لطيف نصيف جاسم وزير الإعلام العراقي وقتها صرح بأن العراق يؤيد التوجه الإيراني ولعل السبب في ذلك، كما يقول الدكتور حميد عبد الله، أن صدام حسين كان يريد تسوية كل المشاكل العالقة مع إيران.
أما التصريح الآخر فجاء على لسان وزير النفط الكويتي رشيد العميري الذي قال إن الكويت غير مستعدة لخفض إنتاجها، ولما عوتب في ذلك قال إن تصريحه جاء قبل اجتماع جدة ولكن وسائل الإعلام لم تنشره إلا في ذلك التاريخ.
وبعد اجتماع جدة، عقد مؤتمر لدول منظمة الأوبك في جنيف يوم -25- 27 يوليو 1990 وتوصلوا إلى قرارين:
الأول: تحديد سقف الانتاج ب21.4 مليون برميل يوميا
والثاني: استهداف 21 دولار للبرميل الواحد.
كيف بدأت الأزمة؟
يقول خالد النعيمي: "بدأت بوادر الأزمة مع الكويت بعد وقف الحرب العراقية الإيرانية في الثامن من أغسطس 1988، وبتحريض أمريكي مباشر بسبب عدم استجابة العراق للطلبات أو الشروط الأمريكية التي حملها وفد عالي المستوى من الكونغرس الأمريكي برئاسة السيناتور الجمهوري (بوب دول) ولقائه بصدام حسين في بداية عام 1989 في مدينة الموصل، واستمر اللقاء إحدى عشر ساعة، ولم تنشر أي من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في حينه أي تفاصيل عن هذا اللقاء المفصلي في مستقبل العلاقات العراقية الأمريكية".
واستطرد النعيمي بأنه "يمكن إيجاز المطالب الأمريكية في هذا اللقاء بتقليص أعداد الجيش العراقي بعد وقف الحرب مع إيران، وتحويل التصنيع الحربي إلى الصناعات المدنية ونزع الأسلحة المتقدمة التي تشكل قلقا لدى دول المنطقة خاصة الصواريخ البالستية، مع عدم عرقلة الجهود الأمريكية الدولية لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، فضلا عن الحريات وحقوق الإنسان في العراق".
وتابع النعيمي بأنه "خلال هذه الفترة كانت أمريكا تقوم بدور مزدوج فمن ناحية تشجع الكويت على عدم الاستجابة أو الخضوع للطلبات العراقية ومن ناحية تبلغ العراق أن الكويت تقوم بحفر مائل لسحب النفط من حقل الرميلة، وكذلك لقاء السفيرة الأمريكية في العراق (أبريل غلاسبي) مع صدام حسين قبل أيام قليلة من الغزو، وأثير حول هذه المقابلة الكثير من اللغط والتفسيرات، هل هي من أعطت الضوء الأخضر، عندما قالت بأن بلادها لا تتدخل في الخلاف بين العراق والكويت وتأمل أن يحل بينهما وديا، أم أن كلامها فهم بشكل مختلف عما كانت تقصده".
الكويت والنفط العراقي
في هذه الأثناء كانت الأزمة متواصلة بين الكويت والعراق، فقد اتهم العراقيون الكويت بسرقة النفط العراقي ووجه صدام حسين وزير النفط بإجراء دراسة لتحديد قيمة ما أخذته الكويت من النفط العراقي وبعد إكمال الدراسة، قدمها وزير النفط إلى الرئيس صدام حسين وذكرت الدراسة أن قيمة ما أخذته الكويت من النفط العراقي خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، تقدر ب2 مليار دولار.
واشتدت الأزمة بين البلدين واتهم العراق الكويت والإمارات بمحاولة تخريب الاقتصاد العراقي وأطلق العبارة المشهورة "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".
ولم ينجح اجتماع جدة الذي عقد بين عزت ابراهيم الدوري وولي عهد الكويت آنذاك الشيخ سعد العبد الله في إيجاد حل للمشكلة التي تلخصت في ثلاثة عناصر:
- أخذ الكويت للنفط العراقي
- حفر الكويتين لآبار داخل التراب العراقي
- زيادة إنتاج الكويت لإضعاف الاقتصاد العراقي
وحسب تصريح لسعد العبدالله فإن الكويت كان مستعدًا لمناقشة هذه المسائل وإيجاد حل لها.
رواية الكويت حول نقاط الخلاف مع العراق
يقول الشيخ سعد العبد الله الصباح شارحا ما جرى بينه وبين نائب الرئيس العراقي عزت إبراهيم الدوري:
النقطة الأولى
في الإجتماع جلست بجانب نائب الرئيس العراقي وقلت له: قلتم بأن أهل الكويت سرقوا نفطكم( العراق يسميه الرميلة والكويت تسميه الرتقة. وهذه الآبار تبعد خمس كيلومترات عن الحدود الدولية وعندما بدأنا الضخ كنا نضخ حوالي 12 ألف برميل يومياً. فمن الذي يسرق نحن أم أنتم؟
النقطة الثانية
قال نائب الرئيس العراقي: أنتم زدتم من حصة إنتاج النفط وهذا سبب كثيراً من المشاكل وأضر بالإنتاج العراقي وقلت: هناك خبراء عندهم الخبرة الكافية يستطيعون التفتيش على سجلات إنتاج النفط ويتأكدون من إنتاج الكويت والعراق، فقال عزت: نحن عندنا معلومات.
النقطة الثالثة:
جاء في مذكرتكم أن السلطات الكويتية قامت ببناء مراكز حدود ومنشآت نفطية، وأنت تعرف أني اتفقت معك على إيجاد خط وسط فاصل بين المخافر أو المراكز الكويتية وبين المراكز العراقية، وانت وقعت على المحضر وأنا كذلك. وقلت لك هذا الإتفاق لا يشمل المراكز التي بنتها السلطات الكويتية، وأن ماترك من مشاكل صغيرة يترك للمسؤول في صفوان والعبدلي، فكيف أسمع منك أننا بنينا منشآت ولماذا هذا السكوت لمدة سنتين؟. فلم يستطع الرد على هذه التساؤلات،
حسب رواية الشيخ سعد العبد الله.
ولكن الغريب في هذا الموضوع، بغض النظر عن إدعاء أي من البلدين، هو أن تكون الكويت، البلد الذي وقف مع العراق خلال حربه مع إيران، يتخذ خطوات مستفزة-او يمكن أن يفهم انها كذلك - ضد العراق، وهذا الحال أقرب هو إلى من يستفز أسدًا جريحا، فلعل الكويتين لم ينتبهوا إلى أن العراق، وقد أصبح قوة إقليمية كبيرة وعنده جيش ضخم، لن يقبل بتهديد اقتصاده وموارده خاصة وقت الحاجة الملحة دون إغفال الخلفية التاريخية للمطالبات العراقية السابقة بالكويت.
ولكن في مقابل اتهامات العراق للكويت فإن السعودية والكويت كانتا تقدمان للعراق 300 ألف برميل من النفط يوميا لمدة 5 سنوات خلال الحرب العراقية الإيرانية، حسب رواية الخبير النفطي العراقي رمزي سلمان.
فهل أساء الكويتيون التقدير أم أوقعتهم جهات معينة في فخ المواجهة مع العراق دون انتباه للمآلات والنتائج،؟
و من جهة أخرى فإن العراق حتى وإن استفزته الكويت وأضرت به، فإن القوى الغربية قد وضعته تحت المجهر وترصدته للبحث عن أي فرصة لتدميره، فما كان له أن يمنحهم تلك الفرصة.
الكويت تدفع ثمن الاعتراف بها
وإذا عدنا إلى تاريخ غير بعيد فإن الكويت قد اشترت اعتراف العراق بها، وقصة ذلك أن العراق كان يواجه أزمة اقتصادية سنة 1963 فناقشت القيادة العراقية ذلك وكان الحل ان يعترفوا بالكويت مقابل ان تدفع أموالا للعراق. انقسمت القيادة فكان عبد السلام عارف وجماعة معه مع الاعتراف بالكويت ووقف أعضاء آخرون ضد ذلك.
وفي النهاية اتفقوا على الاعتراف بالكويت مقابل 30 مليون دينار عراقي اي ما قيمته 100 مليون دولار او تزيد، وحولت الكويت المبلغ إلى خزينة العراق.
وبعدد الاعتراف بالكويت زار وفد كويتي العراق وذكر لهم عبد السلام عارف انه يريد بناء مجمع لوزارة الإعلام، فحولت لهم الكويت 2 مليون دينار عراقي اي ما يعادل حوالي 7 مليون دولار أمريكي، حسب رواية الدكتور حميد عبد الله.
غياب أو تغييب الحل العربي
بعد احتلال العراق للكويت بدأت الوساطات العربية وغيرها محاولة لإقناع صدام بالخروج من الكويت لكنه لم يستجب.
ومن تلك المحاولات محاولة الرئيس عرفات الذي يروي عنه السفير العراقى في ليبيا الدكتور علي السبتي انه قال له : توسلت إلى صدام حسين وقبلت رأسه وطلبت منه الانسحاب من الكويت من أجل القضية الفلسطينية لكنه رفض.
ومع أن صدام تعنت، لكن أطرافا عربية تعمدت، على ما يبدو، تغييب الحل العربي فاستعجلت استقدام القوات الأجنبية وكان حسني مبارك هو عراب هذا التوجه لكن الأغرب هو موقف حافظ الأسد الذي سأل الزعماء العرب في قمة القاهرة : هل فيكم من يستطيع إخراج العراق بالقوة من الكويت؟ فلم يجبه أحد، عندها قال: لابد من الاستعانة بقوات الدول الصديقة والشقيقة.
ومما يوحي بأن حسني مبارك كان يسير تماما مع المخططات الغربية للمنطقة انه غضب على ياسر عرفات، ربما بسبب موقفه من أزمة الكويت والعراق وربما بسبب تأخره عن قطار التسوية مع إسرائيل.
يقول السفير علي السبتي في مذكراته إنه أثناء تدشين النهر الصناعي في ليبيا حضر عدد من الزعماء العرب كان من ضمنهم حسني مبارك وعرفات. ويضيف أن مبارك رفض مصافحة عرفات في ذلك الحفل لكنه عانقه بعد توقيع اتفاقيات أوسلو.
رسائل لم تصل
أصبح العراق قوة إقليمية مهمة وصدرت عنه تصرفات وتصريحات فيها تهديد واضح لإسرائيل، لذلك ما كان للغرب أن يسكت عن تلك القوة المتنامية التي تهدد أمن إسرائيل وتسعى لأن يصبح العرب أندادا لا أتباعا.
وجاءت رسائل متعددة بهذا المعنى للرئيس صدام حسين كانت كفيلة، لو روعيت، بزجر العراق حتى لا يوقعه الأعداء في فخٍ لتدميره ومن أمثلة تلك الرسائل:
- في عام 1984 عقد مؤتمر أمن الخليج في بغداد، نظمه مركز دراسات الخليج الذي كان يرأسه دكتور مصطفى عبدالقادر النجار بإشراف المخابرات العراقية بقيادة فاضل البراك وحضرت المؤتمر وفود مهمة من الخليج ومن مصر.
يقول السفير علي السبتي في مذكراته عن هذا المؤتمر: ما لفت انتباهي هو محاضرة الدكتور عبدالله النفيسي الذي تنبأ بأن الحرب العراقية الإيرانية ستنتهي سنة 88 بعد أن تنهي أمريكا بناء قواعدها في المنطقة وقال أيضا إن المنطقة ستحتل بالجنود وليس بالنفوذ.
- ما رواه السفير علي السبتي عن السفير عبد الجبار الدوري الذي كان سفيرا للعراق في الكويت، فبعد انتهاء مهمة عبد الجبار في الكويت سنة 87 ذهب لزيارة السفير الأمريكي في الكويت فقال له السفير الأمريكي إن الحرب العراقية الإيرانية ستنتهي سنة 88 ولكنكم لن تتعظوا من انتهاء تلك الحرب وستغزون الكويت وسنخرجكم منها فبلغ السفير عبدالجبار هذه الرسالة إلى طارق عزيز الذي بلغها لصدام حسين.
- يقول الدكتور حميد عبد الله إن مدرسهم الدكتور حامد ربيع قال لهم بعد معركة الفاو: مبروك ستنتهي الحرب لأن إيران لم يعد بإمكانها مواصلة الحرب، وسأل الطلاب أين سيتوجه العراق بعد الحرب؟ قال بعضهم: فلسطين، فقال لهم لا، صدام سيقضم إحدى دول الخليج وأرجح الكويت، وهو كان يدرس في معهد البحوث والدراسات العربية.
يقول حامد ربيع: صدام كان يسد آذانه عن كل الرسائل التي تأتيه.
- يروي السفير علي السبتي أن محمد سعيد الصحاف الذي كان وقتها سفيرا للعراق في روما نقل رسالة من رئيس وزراء إيطاليا أندريوتي مفادها أن قادة الغرب اجتمعوا واتخذوا قرارا بإسقاط النظام في العراق ونقل البعثيين إلى معسكرات في الصحراء الرطبة وفصل الرجال عن النساء وتنظيم إبادة كاملة للبعثيين والتخلص من النظام برمته لأنه يهدد المنطقة ويهدد أمن إسرائيل.
- في سنة 89 كان برزان سفيرا للعراق في مقر الأمم المتحدة في جنيف وكان له صديق مسيحي له علاقة بإسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل، أرسل شامير مع هذا المسيحي رسالة إلى صدام حسين، عن طريق برزان، جاء فيها: من فضلك لا تقترب منا ولا نطالبك بعلاقة معنا نعترف بالعراق قوة إقليمية مهمة في المنطقة ولن نتعرض لمصالح العراق ولا تتعرضوا لنا. رد صدام حسين على نفس الرسالة وكتب:
واللهِ لَو وَضعوا الشَّمسَ في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ...
يقول المسيحي: لما سلمت الرسالة لشامير قال: لقد انتهى العراق وهذه آخر محاولة معه.
- نظمت الولايات المتحدة عام 89 مناورات في الكويت لعملية افتراضية للغزو .
- ذكر صائب عريقات أنهم أسسوا جمعية العلوم السياسية في قبرص سنة 89 وعقد مؤتمرها الثاني في بغداد وقال صائب عريقات خلال الندوة إن مركز ديان في إسرائيل مهتم بشخصية صدام حسين ويصدر عنه تقارير كل سنة.
- كان الدكتور صادق الأسود مستشارا لصدام حسين عندما كان نائبا للرئيس. ارسل الدكتور صادق رسالة إلى الرئيس صدام حسين عن طريق عبده حمود الذي كان طالبا عنده وقال في الرسالة: إنه إذا كان العراق يريد العودة إلى المجموعة الدولية فعليه أن يعترف بالهزيمة - بعد إخراجه من الكويت- وأن يتعامل مع الهزيمة مثلما فعلت اليابان في الحرب العالمية الثانية وإلا فإن العراق ذاهب إلى الضياع.
- زار برزان التكريتي ليبيا سنة 93 وأثناء الزيارة التقى بالسفير علي السبتي وقال له: الرئيس ذاهب بنا إلى المجهول وقالها أيضا لأمجد الفلاحي مدير محطة المخابرات في طرابلس.
يضاف إلى هذا تصريح صدام المشهور سنة 88 الذي هدد فيه بإحراق نصف إسرائيل.
فهل يتركوه بعد كل هذا؟
ولا ننسى أيضا انه بعد حصار العراق بسبب غزوه للكويت قدمت الولايات المتحدة، في عهد كلينتون، عرضا للعراق يتضمن الموافقة على رفع الحصار عنه بشرطين:
- التطبيع مع إسرائيل
- وتنظيم انتخابات رئاسية يترشح لها صدام مع غيره، تحت إشراف الأمم المتحدة.
لكن العراق رفض العرض الأمريكي لانه يتضمن التطبيع مع إسرائيل.
المصيبة الكبرى أن كل هذه الرسائل لم تجعل القيادة العراقية تراجع منهج صناعة القرارات السياسية والأمنية الكبرى.
نتائج غزو العراق للكويت
ذكر الفريق رعد الحمداني قائد الفيلق الثاني في الحرس الجمهوري أن العراق خسر في الحرب التي شنتها عليه الولايات المتحدة والمتحالفين معها عام 91 حوالي 250 ألف عسكري بين قتيل وجريح وأسير وذكر أن عدد الأسرى وحدهم بلغ 63 ألفا، وهذا الرقم مشابه لعدد أسرى العراق في الحرب العراقية الإيرانية الذي قدر بحوالي 60 ألف، ولعل السبب في هذا العدد الكبير من الأسرى أن المقاتلين لم يكونوا مقتنعين بتلك الحروب فاختار كثير منهم الوقوع في الأسر لعله ينجو بحياته خاصةً أن العراق شكل فرقا لإعدام الفارين من الحرب إبان الحرب العراقية الإيرانية.
وهكذا آلت الحرب العراقية الإيرانية وما سببته من انهيار اقتصادي في العراق إلى غزو الكويت بحثا عن تسوية مشكلة اقتصادية أما احتلال الكويت فكانت نتيجته في سياق هذه الحلقات المترابطة سقوط بغداد واحتلال العراق وتدمير بلاد الرافدين، بلاد الحضارة العريقة التي كانت أملا للأمة في هذا العصر.
ربما أخطأت الكويت، عن قصد او عن غير قصد، في استفزاز العراق ولكن ما فعله العراق بالكويت لا يفعله الشقيق بشقيقه ولا الجار بجاره.
رفع العراق شعار الدفاع عن القضايا القومية الكبرى وفي مقدمتها فلسطين، لكنه أخطأ في التكتيكات والاستراتيجيات فضاعت فلسطين وضاع معها العراق وتحرك قطار التطبيع بعد تدمير العراق كما يقول الدكتور حميد عبد الله.
ليت صدام حسين سمع وصية الليبيين
كما مر معنا فقد جاءت رسائل وتنبيهات كثيرة للقيادة العراقية لكن لعل الرسالة الليبية من أكثرها حكمة وتبصرا.
جاء مصطفى الخروبي إلى بغداد سنة 89 حاملا رسالة من القذافي إلى صدام حسين. استغرق اجتماعه مع صدام ثلاث ساعات ونصف.. وخلال اللقاء قال الخروبي لصدام: جئنا نهنئك بالنصر على إيران، والمعروف أن ليبيا وقفت مع إيران في حربها ضد العراق حتى احتلال إيران للفاو سنة 86، بعد ذلك تغير الموقف الليبي لمصلحة العراق.
وخلال الاجتماع قدم الخروبي لصدام ثلاث وصايا:
- الأولى : دير بالك على شعبك فقد ضحى بالغالي والنفيس
الثانية: وطد علاقاتك بالدول العربية وخاصة تلك التي وقفت معك أثناء الحرب مع إيران، وكانه يستعشر إمكانية حدوث مغامرة ما كما يقول الدكتور حميد عبد الله
الثالثة : خفض سقف مطالبك حول القضية الفلسطينية، القدس هدفنا جميعا ، ولكن لكل لحظة خطابها ولكل مرحلة لغتها، الخطاب قد تترتب عليه عواقب كثيرة.
هذا حسبما ورد في مذكرات السفير الدكتور علي السبتي.