تعاني القارة الإفريقية ودول الجنوب عموما من مشاكل عديدة مثل تدني الخدمات الصحية والتعليمية وتدهور حالة البنية التحتية مع انتشار الفقر والبطالة وجاءت جائحة كورونا لتزيد من صعوبة الوضع.
وإذا كانت الدول المتقدمة التي لديها بنية تحتية صحية متطورة قد وجدت أنظمتها الصحية شبه عاجزة عن التعامل بالشكل الملائم مع الهجمة الأولى للفيروس فكيف بالدول الإفريقية وهي تغرق في مشاكلها وأزماتها المتنوعة.
وتأثير وباء كورونا لا يقتصر على الجوانب الصحية والأضرار البشرية بل يتعدى ذلك إلى ضرب الاقتصادات مع ما يرافق ذلك من تبعات اجتماعية مثل زيادة الفقر واتساع سوق العاطلين عن العمل.
وفي هذا السياق حذرت كريستالينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، من أن أزمة فيروس كورونا ستحول النمو الاقتصادي العالمي إلى "سلبي بشكل حاد"، خلال العام الجاري وقالت إن العالم يواجه أسوأ أزمة اقتصادية، منذ الكساد الكبير، الذي وقع في ثلاثينيات القرن الماضي كما توقعت أن تشهد أكثر من 170 دولة تراجعاً في دخل الفرد هذا العام..
وذكرت دراسة للأمم المتحدة أن 81 % من القوى العاملة في العالم، التي تقدّر بنحو 3.3 مليار شخص، قد أُغلقت أماكن عملهم، بشكل كامل أو جزئي، بسبب تفشي المرض وأكدت الدراسة أن الأسواق الناشئة والدول النامية ستكون الأكثر تضررا، ما يتطلب مساعدة خارجية تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
أما منظمة العمل الدولية فقد حذرت من أن الوباء يمثل "أشد أزمة" منذ الحرب العالمية الثانية وتوقعت أن يؤدي تفشي المرض، إلى إلغاء 6.7 % من ساعات العمل في جميع أنحاء العالم، خلال الربع الثاني من عام 2020، وهو ما يعني فقدان 195 مليون عامل بدوام كامل لوظائفهم.
وفي إطار معالجة الوباء أعلنت منظمات دولية عن تعهدات مالية لدعم دول العالم وخاصة إفريقيا لمواجهة الآثار الاقتصادية للجائحة.
فقد تعهد صندوق النقد الدولي ب50 مليار دولار لمواجهة كورونا كما قرر المجلس التنفيذي للصندوق تخفيف أعباء ديون 25 دولة منها مالي واليمن وجزر القمر.
وأعلنت مجموعة البنك الدولي عن إتاحة حزمة تمويل أولية فورية تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار لمساعدة البلدان على التغلُّب على الآثار الصحية والاقتصادية لتفشِّي فيروس كورونا.
وأعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص 15 مليار يورو للدول ذات الاقتصاد الهش ومعظمها في إفريقيا لمواجهة الآثار الاجتماعية لوباء كورونا.
أما مجموعة البنك الأفريقي للتنمية فقد أعلنت عن تخصيص 10 مليار دولار، لمساعدة الحكومات والقطاع الخاص للدول الأعضاء في مكافحة وباء كورونا المستجد.
وأعلن المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا عن تخصيص 100 مليون دولار أمريكي، لدعم جهود دول إفريقيا جنوب الصحراء، في مواجهة فيروس كورونا.
البنك الإسلامي للتنمية يخصص 2.3 مليار دولار
للدول الأعضاء لمواجهة وباء كورونا
أما البنك الإسلامي للتنمية فقد خصص برنامجا بقيمة 2.3 مليار دولار لمساعدة الدول الأعضاء في مواجهة كورونا، ويهدف البرنامج الاستراتيجي لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية للتأهب والاستجابة لجائحة “كوفيد-19” لدعم جهود البلدان الأعضاء الرامية إلى الوقاية من الجائحة والحد من أثرها والتعافي منه.
ويأخذ البرنامج نهجًا شاملا على الأمد القريب والمتوسط والبعيد، ويتناول أولويات تتجاوز الاستجابة الفورية والطارئة للقطاع الصحي، وفي الوقت نفسه يعمل البرنامج على وضع البلدان الأعضاء في مسار الانتعاش الاقتصادي من جديد عن طريق استعادة سبل العيش، وبناء القدرة على الصمود، واستئناف النمو الاقتصادي.
وعلى مستوى الدول تعهدت فرنسا ب1.2 مليار دولار لدعم إفريقيا لمواجهة الوباء.
أما الصين فقد قدمت دعما لعدد من الدول العربية والإفريقية ودول العالم الأخرى لمواجهة كورونا.
خطة منظمة الصحة العالمية
أعلنت منظمة الصحة العالمية عن برنامج لمساعدة الدول التي انتشر فيها فيروس كورونا وتبلغ تكاليف البرنامج 675 مليون دولار.
رجال أعمال يتبرعون لمواجهة كورنا
بعد إعلان منظمة الصحة العالمية عن برنامج دعم الدول لمنع تفشي كورونا، تلقت المنظمة تبرعا بقيمة 100 مليون دولار من الملياردير الأمريكي بيل غيتس.
وتبرع رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون ب 250 مليون دولار لدعم مرتبات 70 ألف موظف ودعم رجل أعمال هندي حكومة بلاده ب 13.3 مليون دولار لدعم صندوق الطوارئ وتوزيع 120 ألف كمامة. وقدم رجل أعمال صيني 14 مليون دولار لتطوير لقاح ضد كورونا وتوزيع مليون قناع وحولت الإيطالية ماريانا آليوتي مصنعها لصنع المطهرات وتوزيعها مجانا.
كما حول الفرنسي برنار أرنو مصانع العطور لتصنيع معقم اليدين وتوزيعه مجانا وقدم الأمريكي ستيف بالمر 25 مليون دولار للمساعدة في محاربة فيروس كورونا.
والطريف في موضوع التبرعات تقارب حجم ما قدمته الولايات المتحدة للمغرب مع ما قدمه يبل جيتس لبلدية أديس أبابا، فقد خصصت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 6،6 مليون درهم (670 ألف دولار) من أجل دعم مجهودات المغرب في مجال التصدي لانتشار وباء كورونا المستجد، وفق ما أعلنته السفارة الأمريكية بالرباط.
فيما أعلنت بلدية أديس أبابا، أن الملياردير بيل جيتس تبرع لإثيوبيا بمبلغ 200 مليون بير أي ما يعادل 600 ألف دولار، لمواجهة فيروس كورونا.
حالة إفريقيا
إن المبالغ التي تعهدت بها المنظمات الدولية وبعض الدول تمثل مشاركة طيبة في مواجهة وباء كورونا لكنها بعيدة من أن تكون كافية لتغطية الآثار الصحية والاجتماعية في إفريقيا وفي غيرها، فالقارة الإفريقية أصلا تحتاج إلى دعم مالي كبير لمواجهة مشاكلها الكثيرة فكيف وقد نزلت هذه الجائحة التي أعجزت الدول المتطورة.
وهذه المبالغ إن كانت مخصصة للقارة الإفريقية دون غيرها فهي لا تلبي احتياجاتها لمكافحة الوباء فوزراء المالية الأفارقة أعلنوا خلال اجتماع افتراضي عقدوه قبل أسابيع قليلة أن القارة تحتاج إلى 100 مليار دولار لمعالجة تأثيرات الوباء على النمو الاقتصادي في القارة، بل إن الأمم المتحدة أعلنت أن إفريقيا تحتاج إلى 200 مليار دولار لمواجهة وباء كورونا.
ويزيد من صعوبة المسألة التعقيدات الإدارية لتنفيذ تعهدات المنظمات والدول لمواجهة وباء ينتشر كانتشار النار في الهشيم.
ولندرك حجم ما تواجهه القارة الإفريقية من صعوبات مالية واقتصادية فلنستحضر كارثة الدين الخارجي.
يقول الكاتب الفرنسي أريك تويسون: فيما يتعلق بإفريقيا فإن المبالغ التي تصرف لخدمة الدين وأرباح العمليات التجارية مرتفعة جدا إذ كانت تمثل سنة 2012 5% من الناتج الداخلي لأفقر القارات مقابل 1% من الدعم العمومي للتنمية وهنا يتساءل أريك: من يدعم من ؟
وهذا ليس بعيدا من توصيف خبير غربي آخر لعلاقة المديونية بين الشمال والجنوب بأنها تشبه حال المريض الذي يتبرع بالدم للطبيب.
وأزمة الديون مستفحلة وتزداد سوءا سنة بعد أخرى فقد قفزت ديون دول الجنوب من 1300 مليار دولار سنة 2000 إلى 2630 مليار دولار سنة 2017.
يقول الرئيس الفرنسي ماكرون مذكرا بهذه الكارثة : إن ديون إفريقيا التي كانت تمثل 30% من الناتج المحلي سنة 2012 قفزت اليوم إلى نسبة 95% من الناتج المحلي.
فهل تلجأ دول القارة إلى نصيحة الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إقناسيو الذي قال:
"إن أي حكومة تقرر الاستمرار في سداد الديون الخارجية إنما تختار قيادة شعبها إلى الهاوية".
فلا بد للدول الإفريقية، وهي تواجه اليوم وباء كورونا، من تحديد منهجية واضحة للتعامل مع مسألة الدين الخارجي الذي يستنزف مواردها ويشل برامجها التنموية ويضعف قدراتها على تأمين الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وضروريات الحياة الأخرى.
ولعل استراتيجية الرئيس الفرنسي التي أعلن عنها يوم 14 أبريل الماضي تمثل بارقة أمل في هذا الاتجاه، وترتكز الاستراتيجية حول محورين اثنين لدعم إفريقيا لمواجهة الجائحة: الأول قصير الأجل من خلال تأجيل سداد الديون والآخر طويل الأجل يتمثل في إلغاء الديون بشكل مكثف.
فهل تكون جائحة كورونا مناسبة لدول القارة الإفريقية ودول الجنوب عموما للاتحاد والإصرار على مراجعة النظام العالمي برمته بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية بهدف إقامة نظام أكثر عدلا تتوزع فيه الثروة بإنصاف بين الجميع ولا تهيمن فيه الدول الكبرى على منظمة الأمم المتحدة ويخضع فيه الجميع للقانون والعدالة بعيدا عن منهج الكيل بمكيالين.
وهل يتصالح البشر مع أنفسهم بعد أن وحدهم فيروس كورونا؟
والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع.