تمثل اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية أهم مقومات استقرار الدول وبقائها، لأنها ضمان لتعايش الشعوب بسلام وأمن، وتفادي كل مسببات التفرقة والفتن، وخاصة تلك الشعوب التي تتشكل من إثنيات وأعراق وخلفيات اجتماعية متباينة مثل بلادنا، والتي تتميز بتنوع مَثَّلَ على مر العصور تجسيدا لدوام الوئام، ومصدر ثراء اجتماعي وثقافي قل نظيره، رغم كل المحاولات التي سعى أصحابها إلى تأليب بعضنا على بعض وتأجيج نار الحقد المصطنعة، فكان أولئك كما قال الله تعالى: "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًالِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ".
إن ميل ثُـلّة من قادة الرأي العام في بلادنا إلى استغلال بعض الأحداث المعزولةوالمأسوف عليها لوسمها بطابع الرسمية، أو التلميح إلى تحميل مسؤوليتها لإحدىمُكوِّناتنا الاجتماعية، أو اعتبارها استهدافا ممنهجا لمُكوِّنة أخرى من مكوناتنا،يُشَكِّلُ من الخطورة ما لا تحمد عقبى التفكير فيه أحرى الجهر به، فليس من الخطأ المطالبة بالحقوق أو المطالبة بالتحقق والتحقيق في القضايا الإنسانية المصيريةبالطرق السلمية المدنية، ولكن الخطأ والخطر كله يكمن في تأجيج المواطنين وشحن بعضهم ضد بعض لفوضى وانفلات أمني لا يسلم من تبعاته أي مكون، فكل مواطنمعرض فيه لفقد حياته في أية لحظة، والوطن كله معرض لفقد سيادته وبقائه جراءه، وليست الدول التي تعيش على وقع تبعات مثل ذلك ببعيدة.
لقد ظلت الدولة الموريتانية ممثلة في الحكومة وكل ما يدخل تحت وصايتها دولة وطنية، تشترك في خدمتها كل المكونات، وتسعى إلى خدمة كل أبنائها، فلهم جميعاتحسب كل النجاحات وعليهم جميعا تحسب كل الإخفاقات، وإذا كانت هنالك بعض مخلفات العصور الغابرة التي عاشتها كل الشعوب، سواء كانت ممارسات أو صورًا نمطية، فإن ذلك يتطلب صبرا وأناة وتكاتفا منا جميعا، للعمل بشكل جدي بعيدا عن أي مزايدات من أجل تغيير العقليات وإنفاذ القوانين وتحقيق تنمية مجتمعية ملموسة، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في دعواته إلى ضرورة إرساء قيم اللحمة الوطنية والإنصاف، وأمره بجعلِ الإدارة بكل خدماته رهن حاجة المواطنين، وإنشاء مؤسسات ينحصر عملها في رعاية المواطنين المحتاجين، والتكفل بهم في ضروريات من بينها التمويل والإسكان والتأمين الصحي، وكل ذلك يبرهن على حرص الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها دون تمييز في كل بقعة من أرضنا الحبيبة.
ولأن وحدة الدين والأرض والمصير هي الروابط المقدسة التي تقوم عليها وحدتنا الوطنية، فإن علينا جميعا العمل على المحافظة عليها وتعزيزها، وترسيخ حسها،وخاصة لدى فئة الشباب، وزرعها في نَشئِنَا، من أجل كبح جماح دعاة التفرقة والفتنة، ومواجهة الفكر المتعصب والشحن العنصري الهدام، بنشر ثقافة التسامح والتكافل والسلم المجتمعي، عبر المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والتواصلالجماهيرية، والمقاربات والسياسات والاستراتيجيات التشغيلية والاجتماعية والثقافيةوالتطوعية والترفيهية، والحرص على دوام الالتزام بمبادئ العدالة والمساواة في سلطاتنا التنفيذية والتشريعية والقضائية، فبذلك نضمن الوئام والاستقرار، ويظل وطننا ملاذا حصينا نشعر فيه جميعا بالطمأنينة والرضا.
حفظ الله موريتانيا.