تابعت الفيلم القصير المعنون ب"المتستر"، وأود تسجيل الملاحظات التالية في تحليل خلفية الفيلم ومضمونه وفي الشكل:
1- أول ما استوقفني وأستوقف أنا فيه الفسابكةَ المتحمسين للفيلم كثيرا، بل إنه ما دفعني لمتابعته وللتعليق هنا، أن خلفية إنتاج الفيلم والعنوان المندرج تحته يشكل مأخذا بنيويا في حد ذاته من حيث هو تمرير لفكرة أن الجن مجرد جزء من المخيال الشعبي لبعض الشعوب وبهذا المعنى يكون العمل داخلا في مسلمات مغالِطة تفيد بكون المعتقدات -حتى العقيدة الإسلامية- كلها فلكلور ثقافي بدائي يُتوارث فحسب وليس للحقيقة فيه نصيب.
خطورة الموضوع في عنوانه الثقافي التصنيفي اليونيسكوي Folktale وجعله وجود الجن نفسه مجرد توهم بدائي محض ولَّد ثقافة خرافة، وفي خلطه لتلك الحقيقة بممارسات وأفهام فاسدة وتطبيقات لاحقة على حقيقة وجود الجن؛ وهي الشعوذة وتوطن الارواح والتلبس وغيرها من التفاصيل التي لا تعني بوجودها قدحا في أصلية وحقيقة وجود الجن.
فالفيلم مندرج تحت عنوان Folktale أي المحكي الشعبي الأقرب لتراكم المخيال الشعبي فحسب ضمن المرويات، وهنا الإشكال لدى من يؤمن يقينا بوجود الجن وبوجود السحر (عقيدة من يشك فيها للحظة فهو غير مؤمن بالله ورسوله قطعا لا نسبيا). صحيح أنه نسجت على تلك الحقيقة تراكمات وتمثلات فاسدة ومبالغات، لكن لنحز بمشرط جراح في هذا المفصل لأن الفيلم يحيل الى ثقافة متكرسة غربا بأن الدين تراث كله ومحض تصورات في مراحل زمنية معينة، وعنوان folktale يحيل الى النزعة الانتروبولوجية المتعالية المعتبرة أن تلك المعتقدات كلها سلة واحدة ومندرجة في الفلكلور والمخيال التراكمي لشعوب غير "مستنيرة".
لذلك، لزم الحز في هذا المفصل جيدا وتنبيه الجمهور والقائمين عليه وربما جهلوا هذا الموضوع او فهموا فعلا -كما هو حال بعض المسلمين للأسف- ان الجن خرافة، مع ان من اعتبر وجود الجن خرافة كفر بالقرءان تماما 5/5، وهذا ينبغي تمييزه عن خرافات لاحقة نسجت ضمن ثقافة الشعوذة والتكسب جاعلة الموضوع خامة للتوسع ومن الجن ملوكا على الارواح (وهذا غير صحيح وافتراء على الدين).
فكون الجن موجودين ضمن خلق الله هذا واقع يقينا، وكون بعضهم قد يؤثر إيحاء صحيح كذلك، وكون السحر موجودا هذا يقين (وينبغي تمييزه عن كون السحر كفرا في ممارسته او الاعتقاد بمطلقية نفعه او ضره، فالإيمان هنا بوجوده ممارسة منحرفة وليس بكونه مغيرا لقدر ولا استباحته عملا).
خامة الفيلم كلها ورمزيته الى كون الجن "متسترا" وأنه مختلط على نحو ما بالبشر: هذه حقيقة وليست مجرد مخيال فني ثقافي. فالإشكال أن الفيلم يقدمها من منطلقات تعتبرها مجرد خرافة وحكاية شعبية متوارثة ووهما معرفيا؛ هنا متشتشة التي تهمني. فاليونيسكو الممولة لجزء من العمل واضعة له في سياق ثقافة الشعوب التراكمية وسمتها الخرافية.
كما أن الصلاة والدعاء للتخلص من تأثير الجن حقيقة ومطلب وليس معتقدات عجائز كما يمرر الفيلم ضمن نسيجه، وهذه وغيرها من الإشارات التي تثير تلك المغالطة ايضا. تماما ككون الشيطان ينزغ بين البشر فيدفعهم أحيانا للشجار: هذه لدى المؤمنين حقائق وليست محكيا شعبيا!
2- من الناحية الفنية
استفاد الفيلم من ميزة الغرابة في تغطية نواقص فنية (أعني بها اشياء كانت لتكون أفضل، وإلا فالفيلم مستوف أغلب متطلبات الفيلم القصير). اعني بميزة الغرابة أن محورية شخصية المتستر وزيه إخراجا يضع المتابع من اول مشهد في حالة شغف ورهبة وفضول وهذا ملمح ذكي فنيا لكن لا احسبه استُغل بالشكل الكافي .. فكأن المشاهد ذا العين النقدية يفغر فاه بفضول وشغف حتى ينتهي الفيلم وهو لم يجد كثيرا ليسد به فراغ شغفه المتشكل أول دقيقة حول اللاحق من المشاهد والسيناريو.
نجح المخرج في اختيار ظرف التصوير الزماني سواء الطبيعي او المصطنع جيدا ووظفه بصريا لخدمة موضوعه بشكل موفق، وهذه ميزة تحيل الى ذكاء وفطنة فنية لدى المخرج وموهبة.
نجح كذلك إلى حد بعيد في كثافة المعنى في بعض اللقطات، وأحسب أنه استفاد جيدا من وجود أشخاص مسنين (السيدة الكبيرة سنا) وآخرين اطفالا: تعبيرات الوجوه وتفاصيل المشاهد.
أخيرا،
لا ينبغي أن يُحكم فنيا على هذه الفئة مقارنة بدراما التسلية والبهرج الأخرى الشائعة، فذلك فيه ظلم وسطحية فنية
تلك ملاحظات على خلفية الفيلم وما يحيل إليه ضمن سياقه، من جهة وحول الفيلم نفسه حتى لا نظلم أصحابه في جهدهم.
صفحة الكاتب عبد الله ولد محمد