يمثل القطاع المصرفي الموريتاني نحو 88% من إجمالي النظام المالي، وتقدر أصوله بملياري دولار أميركي. ويوجد حاليا 18 مصرفا في البلد، ولكن 4 منها فقط إسلامية. كما تمتلك معظم البنوك التقليدية نوافذ إسلامية لتقديم منتجات متماشية مع تعاليم الشريعة الإسلامية، وذلك لجذب العملاء المتعففين عن التعامل بالربا. ويبلغ معدل المتعاملين مع النظام المالي نحو 22% فقط من إجمالي السكان، أي أقل من المتوسط البالغ 42% في البلدان الأفريقية، وفقا لتقرير البنك الدولي عام 2021. وهذا مما جعل نحو 40% من الأموال متداولة في "السوق السوداء"، وهي سوق غير مصنفة.
ويعود الظهور الأول لمصطلح البنوك الإسلامية إلى سبتمبر/أيلول 1985 مع إنشاء بنك البركة الإسلامي الموريتاني المعروف باسم "باميس" (BAMIS) المملوك لمجموعة البركة المصرفية (50%) والأفراد (40%) والبنك المركزي الموريتاني (10%). ومع ذلك، واجه البنك عديدا من التحديات من حيث الإدارة والحوكمة، مما أدى في النهاية إلى انسحاب المستثمرين الأجانب.
بعد هذه التجربة غير المسبوقة وغير الناجحة، لم يتم منح أي ترخيص لبنك إسلامي لما يقرب من 20 عامًا رغم تطور السوق المالية الموريتانية. وفي بداية الألفية الجارية، كانت هناك محاولات خجولة لإعادة تقديم المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية عن طريق القنوات المتخصصة مثل النوافذ وما إلى ذلك. حاولت بعض البنوك المحلية ذلك خلال عام 2000، على سبيل المثال لا الحصر، البنك الشعبي الموريتاني، ثم البنك الإسلامي الموريتاني، وبلغ الأمر ذروته نهاية العقد نفسه مع إطلاق بعض البنوك شبكة من الوكالات المتخصصة في المنتجات والمعاملات الإسلامية. وهناك مجموعة من البنوك التقليدية ذات النوافذ الإسلامية التي تقدم منتجات إسلامية، وعلى رأسها المرابحة. ونظرًا لأن موريتانيا بلد إسلامي بنسبة 100%، فإن معظم البنوك التقليدية إن لم تكن جميعها لديها نوافذ إسلامية لجذب العملاء، لا سيما أولئك الذين لديهم حواجز دينية تمنعهم من استخدام المنتجات والخدمات غير الإسلامية.
وعلى صعيد آخر، هناك مؤسسات التمويل المحدود الإسلامي، التي يعود تاريخها إلى أول مؤسسة للتمويل المحدود في موريتانيا وهي "شبكة الصناديق الشعبية للادخار والقرض" (PROCAPEC)، وقد تم ترخيصها وإطلاقها عام 1997 وهي مؤسسة إسلامية. وتهدف هذه المؤسسات إلى دعم الفقراء وذوي الدخل المنخفض، خاصة النساء، وهذه المؤسسة هي أكبر مؤسسة للتمويل المحدود في البلد، إذ يبلغ عدد فروعها أكثر من 50 فرعا في جميع أنحاء البلد.
كما توجد مؤسسة حكومية للأوقاف وتعتني أساسا بالمساجد والمحاضر (مدارس القرآن في موريتانيا) وتم إنشاؤها عام 1982. وقد تطورت هذه المؤسسة وأصبحت تستثمر في الأسواق
التحديات
رغم ما شهدته الدول مؤخرا من تطور للمالية الإسلامية، فإن موريتانيا لا تزال تفتقر إلى نظام مصرفي إسلامي حقيقي، حيث تهيمن الطبيعة الربوية التقليدية على بنوكها من حيث الممارسة. ومن منظور قانوني، لا تزال البنوك الإسلامية تعاني مشكلة التوافق مع البنك المركزي، لأنها لا توفر أي قواعد محددة للبنوك الإسلامية. وقد أدى عدم وجود إطار تنظيمي وتشريعي إلى فشل وإفلاس بعض البنوك الإسلامية في موريتانيا لتصل إلى 4 بنوك إسلامية فقط، بعد أن كانت 8 بنوك إسلامية. كما أن البنوك الإسلامية ضعيفة البنية وغير قادرة على المنافسة، مقارنة بالبنوك التقليدية، بسبب خبرتها الضعيفة والحديثة نسبيًا.
والتحدي الرئيسي الآخر للمالية الإسلامية هو عدم وجود صيغة تنظم النوافذ الإسلامية أو حتى التحقق من وجودها الفعلي في البنوك التقليدية.
إن قلة الكوادر المدربة على آليات التمويل الإسلامي وغياب الاستثمارات الطويلة الأجل تشكل عقبات خطيرة أمام تطوير الصناعة المصرفية والمالية الإسلامية. وكذلك انعدام الشفافية وغياب أو ضعف الرقابة الشرعية داخل البنوك الإسلامية قد يؤدي إلى انعدام الثقة بين الجمهور وهذه المؤسسات.
الآفاق والتطلعات
صادقت الحكومة الموريتانية مؤخرا -خلال اجتماعها الاثنين الماضي- على مشروع مرسوم يتضمن إنشاء حساب تحويل خاص يسمى "بيت مال الزكاة الموريتاني"، وهو متعلق بالعمل على إنشاء هيئة وطنية تعنى بجباية الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية.
من ناحية أخرى، أصبح البنك المركزي عضوا في بورصة ماليزيا، مما يتيح له الوصول إلى منصة تبادل السلع التي تدعم عمليات الإصدار. كما تم قبول العملة الوطنية الأوقية من بين العملات المتداولة في البورصة في هذا السوق. وتعززت السندات الإسلامية للخزينة العامة إذ تجاوزت أكثر من 1.5 مليار أوقية، وهي إذن تمثل أكثر من 22% من إجمالي السندات العامة.
وعام 2018، تم تقديم قانون مصرفي جديد لوضع الإطار التنظيمي للتمويل الإسلامي، وإنشاء لجنة للمراقبة والتدقيق الشرعي من أجل الحفاظ على امتثال تعاليم الشريعة في المؤسسات الإسلامية، إنشاء نظام إعادة التمويل الإسلامي، وإنشاء سندات إسلامية للخزينة العامة. ومع ذلك، فإن هذا التنظيم الجديد لم يتم تطبيقه بعد في الواقع. ولكن ستنفذ تدابير بناء تطبيق هذا القانون بمساعدة فنية من صندوق النقد الدولي، حسب تقرير الصندوق عام 2021.
التوصيات
يجب على الحكومة أخذ القانون المنظم للمالية الإسلامية بعين الاعتبار، خاصة في ما يتعلق بقواعد إعادة التمويل مع البنك المركزي. علاوة على ذلك، يجب أن تكون بكل بنك أو فرع إسلامي هيئة رقابة شرعية لضمان توافق المعاملات مع الشريعة وتعزيز الشفافية المالية. كما أن التدريب الشرعي للعاملين في المؤسسات الإسلامية أمر لا غنى عنه للحفاظ على مبادئ التمويل الإسلامي. وتوسيع انتشار فروع المؤسسات الإسلامية وتنويع منتجاتها من الأمور الضرورية بمكان لتلبية احتياجات الموريتانيين، فالمرابحة وحدها غير كافية لتطوير وجذب العملاء لهذه المؤسسات.
فاطمة مختار مولود
باحثة في المالية الإسلامية متحصلة على شهادة الدكتوراه في المالية والصيرفة الإسلامية من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا وأستاذة في جامعة نواكشوط
الجزيرة