تشهد مراكز التسجيل على اللوائح الانتخابية ( 2023م ) إقبالا محتشما للمواطنين من أجل التسجيل استعدادا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة للمجالس : البلدية ، النيابية والجهوية ، ومما لا شك فيه أن هذا الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي قد مثل فرصة سانحة للمواطنين للتساؤل عن مستوى إنجاز المٌنْتَخَبِينَ للتعهدات التي أخذوا على أنفسهم عهدا بتحقيقها قبل أفول مأموريتهم التي توشك على نهايتها ، ومن جملة تلك التساؤلات الفائدة من التسجيل ذاته مادام التصويت الذي سيأتي بعده قد يكون مجرد آلية لِشَرْعَنَةِ وجود مجالس لم تكن على مستوى المسؤولية المطلوبة لمواجهة التحديات المتعلقة بالمصالح الحيوية للمواطنين ( التعليم ، الاقتصاد ، الصحة ) . ذلك أن الممثل المباشر للشعب الموريتاني وهو البرلمان قد تَحَوَلَ إلى هيئة فرعية تابعة للسلطة التنفيذية وتعمل تحت إمْرَتِهَا ، وهو ما أخَلَ بمبدأ استقلالية السلطات الثلاث وأفرغ البرلمان من قيمته الحقيقية المتمثلة في كونه سلطة مضادة تتكفل بالرعاية والدفاع عن مصالح المواطنين . فكم من حق للمواطنين ضاع تحت هذه القبة الإسمنتية لمجلس النواب . وإذا كان التوافق بين السلطات الثلاثة ظاهرة صحية مطلوبة وممارسة ديمقراطية تٌذْكَر فَتٌشْكَر فإن إحباط المواطنين من أداء هذا البرلمان خلال المأمورية الحالية الآيلة إلى نهايتها قريبا قد جعل الكثير منهم يتردد ألف مرة قبل أن يفكر في الإقدام على المراكز للتسجيل على اللوائح الانتخابية. وعلى الرغم من أن هذا الانطباع الأخير لا يمثل ظاهرة عامة يمكن تعميمها على كافة أفراد المجتمع الموريتاني المؤهلين للمشاركة الانتخابية فإن إقدام المواطن أو امتناعه عن التسجيل على اللوائح الانتخابية يمكن تفسيره بالرجوع إلى ثلاثة اعتبارات أساسية :
أولا : التسجيل على اللوائح دعما للقيادة السياسية الحاكمة لاستكمال تعهداتها في أفق المأمورية الرئاسية المقبلة
ثانيا : الإعراض الكلي عن التسجيل احتجاجا على أداء المجالس المٌنْتَخَبَة ( بلدية ، نيابية ، جهوية )
ثالثا : التسجيل على اللوائح الانتخابية رغبة في التجديد الجذري والقطيعة مع أعضاء المجالس الحالية
فعلى مستوى الاعتبار الأول ، يستحضر المواطن المكاسب التي تحققت في ظل القيادة السياسية الحالية : تعليمية ، اقتصادية ، سياسية ، ثقافية ، صحية وأمنية .... وهذه المكاسب تكفي وحدها للحرص على واجب التسجيل لاسِيَّمَا أن هذا الواجب هو المدخل إلى المشاركة الايجابية في الانتخابات الرئاسية المقبلة . وبالتالي فإن دعم القيادة السياسية الحاكمة لاستكمال تعهداتها في أفق المأمورية الرئاسية المقبلة يقتضي من المواطنين ، الحريصين على استمرارية المشروع الإصلاحي الشامل ، المبادرة إلى التسجيل على اللوائح لإسماع أصواتهم والتعبير عن قوتهم الناعمة ( بطاقة التصويت ) عبر صناديق الاقتراع . هذا الدافع يقف وراء حرص المواطن على أن لايكون سلبيا وأن يكون له دور في تشكيل المشهد السياسي المقبل الذي لاشك أنه له دور هام في اختيار القيادة السياسية التي ستحكم المواطن في المستقبل القريب .
أما على مستوى الإعراض الكلي عن التسجيل احتجاجا على أداء المجالس المٌنْتَخَبَة ( بلدية ، نيابية ، جهوية ) فغالبا ما يكون سلوك المواطن تعبير عن عدم رضاه عن الأحزاب السياسيةالمٌمَثَلة في المجالس المٌنْتَخَبَة ولا سِيِّمَا مجلس النواب . فعندما لا تتماشى توقعات المواطنين مع أداء النظام الديمقراطي قد يمتنعون عن التسجيل على اللوائح الانتخابية ويختارون طرق ووسائل أخرى للتعبير عن آرائهم وطموحاتهم كوسائل التواصل الاجتماعي أو ربما التَظَاهٌرٌ مثلا. وهذا يشكك في نجاعة أداء الديمقراطية ومؤسساتها .
وقد يكون التسجيل على اللوائح الانتخابية ، رغبة في التجديد الجذري للطبقة السياسية الحاكمة عموما ولأعضاء المجالس البلدية والنيابية والجهوية خصوصا ، خيار آخر يدفع المواطنين ، المتحمسين للانتقام من المٌنْتَخَبِينَ ، إلى التسجيل على اللوائح والتصويت بكثافة لقطع دابر السياسيين الذين خذلوهم ولم يتحملوا مسؤولياتهم تجاه من انتخبوهم . يتعلق الأمر برفض مٌنْتَخَبِينَ يفتقرون إلى المثالية ويوصفون بالفشل الذريع في الوفاء بوعودهم الانتخابية هذا فضلا عن الأنانية وعدم الأمانة وتورطهم في عمليات تضارب مصالح . لذلك قد تأتي صناديق الاقتراع بأشخاص غير معروفين على الساحة السياسية أو ربما غير مرغوب فيهم على هذه الساحة كما هو الحال بالنسبة للشعبويين والمتطرفين سياسيا ودينيا واجتماعيا .
وبما أن الحالة الطبيعية هي أن يحرص كل مواطن على المشاركة والتعبير عن رأيه في كل المراحل الانتخابية بدء بالتسجيل على اللوائح الانتخابية وانتهاء بالتصويت والاقتراع فإن وجود الاعتبارات الثلاثة المذكورة سابقا في أي نظام ديمقراطي يدل على أن هذا النظام مطالب بتفعيل العديد من الروافع بشكل متضافر أملا في وقف الاستياء المتزايد من العملية الانتخابية.وهذا ما يعني ضرورة المبادرة إلى تطوير أساليب المشاركة في الحياة الديمقراطية من أجل إعادة الروابط بين المواطنين والمؤسسات . كما يعني من وجهة النظر الواقعية الحاجة إلى إيلاء اهتمام خاص للسياسات العامة المتعلقة بحياة المواطنين ، ودرجة الثقة المتبادلة بينهم وبين السلطات العامة وعواقبها على الالتزام بالنظام الديمقراطي .
الدكتور سيدي محمد ولد يب
خبير في إدارة عمليات الاكتتاب والمسابقات