
أغضبني مشهد في الحلقة الأخيرة من برنامج/ مسابقة "أمير الشعراء" (مساء الخميس 29 ديسمبر 2022)، وهو في ذاته مغضِب: علميًّا، وحضاريًّا، وإنسانيًّا!
حين يقول شاعر جيد (الشاب الليبي عبدالسلام أبوحجر): "ويُـعجبني في الذكريات سَخاؤها"؛ فيستدرك عليه رئيس لجنة التحكيم، علي بن تميم (الإمارات)، بثقة العالِـم النحرير: "بل سخاءها"!
ويسكت عضو اللجنة المخضرم، محمد بن حجو (المغرب)، ويتهته بكلامٍ لا معنى له!
ولا تكتفي عضوة اللجنة أماني فؤاد (مصر)، التي لا ناقة لها في الشعر ولا جمل، بتأييد الرئيس في خطئه الفادح، بل تحرف تحريفه بأفدحَ منه!
وصغار تلاميذ العربية لا يخفى عليهم أن "سخاؤها" فاعل مؤخر. وأن ضمير المفعول مقدَّم.
من هنا.. تبعث هذه المواقف الثلاثة غضبَ الحليم!
ولو أنني ساوقتُ نفسي في غضبها؛ فعلقَّتُ حينه؛ لم أكن لأخرج عما أثاره المشهد من عاصفة "تنكيت وتبكيت"، معتادةٍ مثلُها، في وسائط التواصل الاجتماعي.
لذا.. أحببتُ أن يسكت عني غضبي شيئًا ما؛ لأكتب كلمةً هادئةً وجادَّةً إلى د. علي بن تميم ومن معه في فريق المسابقة والبرنامج. هادئةً؛ لأن الغضب يضر بالقضايا العادلة. وجادةً؛ لأن "التنكيت والتبكيت" قلما يَنتج عنهما عملٌ إيجابي مفيد.
نحن الآن أمام سقطة علمية كبيرة، والسكوت عنها سقطةٌ أخرى. أما تأييدها الغبي؛ فانحطاط أخلاقي، قبل أن يكون جهلًا علميًّا!
وليست هذه بأولى سقطات هذا البرنامَج المهم. بل ثَـمَّتَ سوابق عديدة، أكتفي منها بسابقتين فقط من دورات المسابقة الماضية:
الشاعر إسلام هجرس (مصر): رُفضت قصيدته بإجماع لجنة التحكيم، وسببها أن القصيدة غير موزونة. والسبب الحقيقي هو جهل اللجنة بوزن "المنسرح"!
والشاعر عبدالحميد الـعُـمَري (المغرب): رُفضت قصيدته من الاثنين ذوي الثقَل الأكاديمي (عبدالملك مرتاض وصلاح فضل)، بسبب عدم استذواقهما نمطَ العمري. وقد يسوغ الأمر نحوًا ما. لكن غير السائغ، بل غير العلمي ولا النبيل، بل ولا الإنساني: أن يتنقص صلاح فضل من الشاعر الشاب ويقول له بثِـقَل دمٍ وغلظة تعبير (يزيد من وطْأتهما عمْـرُ الناقد ووزنه العلمي!) ما محصَّله: أنا أستحق منك تعويضًا ماديًّا عما آذيتَ "ذائقتي" به من كلامك "المجعلص"! وليس هذا هو إسفاف صلاح فضل الوحيد في مسيرة هذه المسابقة!
نحن لا نتحدث عن أكاديمي يخبط خبط عشْواء في قاعة درس أمام أفراد أو عشرات، أو حتى مئات.
بل عن برنامَج ذي شعبية كبيرة، ومقاطع منه تَـذيع خلال دقائق قليلة في كل اتجاهات الأرض!
نتحدث عن عربٍ ساخطين، وغير عرب مندهشين، وعن انفعالات متراكبة تجاه برنامَج نادر في إعلامنا العربي يُعلي من الشعر واللغة.
والواجب الآن، فيما يخص المشهد الأخير، أن يقدم علي بن تميم ومن معه نَـموذَجًا في الاعتراف بالخطأ، والاعتذار عن اللجاجة فيه.
أحمد عبد الكريم