أعلنت شركة "كوسموس"، أن الشركاء في حقل "آحميم"، وهو حقل مشترك بين موريتانيا والسنغال، يتوقعون إنتاج أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية عام 2023، وهو الإعلان الذي انتظره الموريتانيون بترقّب، لما ستحدثه الطفرة الغازية المنتظرة من تغيّرات ضخمة في البلد، كما يأملون.
جاء إعلان الشركة هذا ضمن تقرير نتائج الربع الثالث، وبعد أسابيع من خبر ضمن السياق نفسه، إذ أُعلن في تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، عن اتفاق يهدف إلى تطوير قدرات موريتانيا النفطية والغازية، ووقِّع اتفاق ممتد على مدة 30 شهراً بين موريتانيا وشركة "PB"، وشركة "كوسموس"، يقضي بالبدء بالاستكشاف وتقاسم الإنتاج، في ما بعد، في حقل الغاز الوطني المسمى "بير الله"، وهو حقل خاص بموريتانيا وليس مشتركاً مع جارتها السنغال. تفتح هذه الأحداث والأخبار المتسارعة النقاش حول مصير الغاز الموريتاني المنتظر، وتطرح الأسئلة حول مدى إمكانية إسهام الثروة الجديدة في تطوير حال البلد وشعبه.
مشهد الغاز الموريتاني
تُقدَّر احتياطيات الغاز الموريتاني المتوقعة بنحو 110 تريليون قدم مكعب، إذ تملك اليوم ثالث الاحتياطيات الغازية في إفريقيا، بعد نيجيريا والجزائر.
في حديث إلى رصيف22، قال الاقتصادي محمد يسلم الفلالي، إن "تحليل قضية واقع الغاز صعبة لعدم توفر المعلومات، والموجود من معطياته متغيّر مع البانوراما العالمية والجيو-سياسية والأسعار في الأسواق، لكن أعطانا الله في فترة مهمة قدراً مهماً من الاكتشافات، ويقدّر الاحتياطي المكتشف بما يقارب 110 تريليونات قدم مكعب من الغاز، هذا حسب الدراسات والتوقعات التي قامت بها شركتا التنقيب مثل BP وكوسموس، وقطعاً هي مسألة مهمة بالنسبة إلى موريتانيا".
أكد المتحدث أن "البلاد منذ الاستقلال وحتى اللحظة، في عجز في ما يخصّ ميزان المدفوعات. فالدولة منذ ميلادها وصادراتها لم تستطع تغطية حاجتنا من المواد الغذائية وما نحتاجه في الحياة اليومية وما يحتاجه اقتصادنا لكي يتحرك ويعمل، فمثلاً منذ 1975، كانت صادراتنا تغطي 80في المئة، من وارداتنا، وخلال الثمانينيات كنا نراوح عند ما بين 50 و60 في المئة، وكنا نعوض ذلك دوماً بالدَّين أو المنح من الدول الخارجية، وهذا يؤكد أهمية هذا الغاز لما سيجلبه من العملة الصعبة، فنحن في حاجة إليها، وستعطي روحاً لميزانية الدولة لم تكن عندها في السابق، وبالتأكيد سيظهر في ميزانية الدولة، وتالياً سيظهر في الاقتصاد الوطني بصفة عامة، هذا مع التأكيد على أن كل الموارد الطبيعية لديها خطورتها وتذبذباتها التي تؤثر على البرامج المستقبلية التي تصنع الدول والإستراتيجيات الاقتصادية".
وأضاف: "بالنسبة إلى العقود وفاعليتها، فقد تُكتشف حقول أخرى في المستقبل، لأن هناك شركات أخرى عاكفة على التنقيب. أعتقد أنه لا بد وأن يكون لهذا الواقع الجديد وهذه العقود تأثير، وتجارب الدول تظهر لنا أن المفعول قد يكون إيجابياً وقد يأتي سلبياً، ولا ترتبط كثرة الموارد بالاستقرار السياسي. بالعكس هناك دول حدثت فيها بلبلة وتضخم كبيران لأن الإنتاج الوطني ليس فيه غير ما يصدّر، مثل الغاز أو البترول، ويكون التضخم نتاجاً لذلك، وهناك أمثلة كثيرة".
نفع متوقع لكنه غير مباشر
ينتظر الموريتانيون والنخب منهم على وجه الخصوص، ما ستتيحه هذه الثروة من نفع للمواطنين، وهو انتظار يرافقه القلق الشديد، لما يرونه فساداً ينخر في الجسم الإداري في موريتانيا، ولتجاربهم السابقة مع الثروات التي تحتضنها موريتانيا، سواء الحديد أو النفط أو الذهب أو الثروة السمكية، وغير ذلك من الثروات. ويُذكر أن موريتانيا حلّت هذه السنة في الرتبة 140 من أصل 180 دولةً حول العالم، وذلك في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية عن الفساد في العالم، وقد حصلت على 28 نقطةً فقط هذا العام، وهو تراجع لموريتانيا في هذا المؤشر إذ صنّفها ضمن البلدان "الأكثر فساداً"، وكانت حلت في العالم 2020، في المرتبة 134 عالمياً.
يقول الفيلالي، عن تأثير الغاز المتوقع على حال الناس: "ستكون غالبية تأثيره على المواطن بطريقة غير مباشرة، مثلاً عن طريق ميزانية الدولة، كما حين توجه الدولة تلك الموارد ضمن بنود إستراتيجية مستقبلية، هدفها تنويع الاقتصاد الوطني".
"الحقيقة هذه فرصة تاريخية بالنسبة إلى موريتانيا، لكي تستعمل هذه الموارد استعمالاً يمكن أن يخرجنا من المرحلة التي نحن فيها"، يقول المتحدث، ويضيف: "حسب وجهة نظري، مع الغاز لا يجب أن تنخفض نسبة نمو الاقتصاد الموريتاني في السنوات العشر القادمة عن 6 أو 7 في المئة، لماذا؟ لأن هذا الرقم في العشرية القادمة هو الذي يمكن أن يغيّر وضعية البلد الاقتصادية، فكما هو معلوم مثلاً حين يكون النمو الاقتصادي 5 في المئة، وهي نسبة صعبة علينا من دون موارد كبيرة، فهذه الخمسة في المئة لمدة 14 سنةً مثلاً هي التي يمكن أن تضاعف الناتج المحلي، فنحن تقريباً حالياً ناتجنا ثمانية مليارات دولار، وبهذا النمو، أي بمعدل 5 في المئة، بعد 14 سنةً، سيكون الناتج المحلّي 16 مليار دولار، وهذا قليل ولن يخرجنا من مرحلة الفقر. وعليه، نحتاج إلى نمو متسارع، ونسبة نمو متوسطة أكبر، 6% أو 7%. لماذا أقول متوسطة؟ لأننا في السنوات الأولى من بداية الطفرة يجب أن نصل إلى 10% أو 11%، مثلما حدث في 2005، وتظل تلك الوتيرة لمدة سنوات قبل أن تنخفض. ذلك ما نحتاجه حقيقةً لكي يتغير الاقتصاد الوطني، وهذا لا يمكن أن يحدث من دون توجيه الموارد بطريقة منتجة".
رصيف22