لا يدخل شهر ربيع الأول حتى تبدأ سجال المولد بين فريقين: فريق مهاجم متحمس يضرب اخماسا في أسداس واصفا المحتفلين بالمبتدعة والأخطر من ذلك أنه يصفهم باتهام النبي صلى اللـه عليه وسلم بعدم كمال تبليغ ما أمر به!! وفريق مدافع قد يتجاوز بعض المنتسبين إليه فيصف المانعين بأوصاف من ذات القاموس الهجومي فيتفق الفريقان في السعي "للتعادل السلبي" الذي يوحي لأول وهلة بغياب الحكمة في إدارة هذا الخلاف كما يوحي بخلل بين في ترتيب الأوليات.. ومن نتائج هذا الوضع أنك قلما تجد إنصافا في ردود أي من الفريقين، دون إغفال أن المهاجم يتحمل الوزر الأكبر في هذه المعركة، فالبادئ أظلم.. وهكذا يشتد أوار هذه الحرب التي يغذيها منهج المفاصلة والمغالبة حتى يتخيل للمرء أنها حرب بين هداية وضلالة وبين متمسكين بالدين ومارقين منه أو بين ورثة سنة وأتباع سلف مقابل عوام وجهلة.. والحصيلة لا ثمرة معرفية ولا بناء لجسور مودة وإنما زيادة أحقاد وهمز ولمز وفرح بالسقطات هنا وهناك.. ولو ارتفع صوت الحكماء العقلاء لأدرك الجميع أن موضع الاحتفال بالمولد لا يمكن إخراجه عن كونه ضمن المسائل الخلافية الكثيرة بين أهل العلم..
أما آن لنا أن نغير المنهج؟
تحدثت مرة مع أحد المشايخ حول موضوع المولد واقترحت عليه تغيير منهج طرح الموضوع. قلت له إن خطباء الجمعة في هذه البلاد يركزون في خطبهم عند بداية شهر ربيع الأول من كل عام على أن الاحتفال بالمولد من البدع ويسوقون حججهم المعروفة في هذا السياق وأنت منهم، وجمهور المصلين أمامك ينقسمون إلى فريقين: فريق معك في المعتقد ويوافقك في آرائك فأنت لا تأتيه بجديد في المسألة وفريق يخالفك وسينتظر نهاية خطبتك ليذهب ويحتفل بالمولد بطريقته، فماذا استفدنا؟
اقترحت على هذا الشيخ أن يجتمع مع العلماء والمشايخ القائلين بالاحتفال بالمولد لمناقشة المسألة بهدوء، أما تكرار الخطب بالطريقة ذاتها وتبادل الاتهامات في المناسبة نفسها فلا ينفع بل قد يضر.. وهذا حالنا كل عام: بدعة، لا ليس بدعة...، دون أن يبذل الحكماء جهدا لمعالجة الموضوع بحكمة لنتمكن، على الأقل من إدارة الخلاف بأسلوب مثمر لبناء أرضية إيجابية للتفاهم مع حق كل فريق بالاحتفاظ بآرائه ما دامت لا تخرج الفريق المخالف من السنة ولا من الملة.
أيها المانعون من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف .. طوبى لكم حرصكم على السنة ..
لا تقولوا للمحتفلين أنتم تتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أخفى جزءا من الرسالة فمن حكمتم عليه بذلك فقد اخرجتموه من دائرة الإسلام، ولاتراوغوا بقولكم نحن نقصد الحكم على القول ولا نقصد القائل فمن حكمتم على قوله بأنه اتهم للنبي صلى اللـه عليه وسلم فهو بالضرورة اتهام للقائل.
أيها المانعون لا تقولوا للمحتفلين: لو كان خيرا لسبقونا إليه.. فهم يعرفون عمل الصحابة رضوان الله عليهم مثلكم ..
فلو كان كل فعل لم يفعله الصحابة بدعة مذمومة فسنجد كثيرا من أعمال المسلمين التي أقرها العلماء، استنباطا واجتهادا، من البدع المذمومة فهل كان الصحابة يتلون القرآن في بداية التظاهرات وهل كانوا ينظمون مسابقات لحفظ القرآن أو الحديث ...
ومن المقرر عند أهل العلم، كما تعرفون، أن الترك لا يقتضي التحريم.
وقد ناقش الشيخ عبد اللـه بن الصديق الغماري هذه المسألة في رسالته (حسن التفهم والدرك لمسألة الترك)
وبدأ المناقشة بهذه الأبيات:
الترك ليس بحجة في شرعنا ... لا يقتضي منعًا ولا إيجابا
فمن ابتغى حظرًا بترك نبينا ... ورآه حكمًا صادقًا وصوابا
قد ضل عن نهج الأدلة كلها ... بل أخطأ الحكم الصحيح وخابا
لا حظر يمكن إلا إن أتى ... نهى متوعدًا لمخالفيه عذابا
أو ذم فعل مؤذن بعقوبة ... أو لفظ تحريم يواكب عابا
تحدث المؤلف في البداية عن مفهوم الترك:
)نقصد بالترك الذي ألفنا هذه الرسالة لبيانه: أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا لم يفعله أو يتركه السلف الصالح من غير أن يأتي حديث أو أثر بالنهي عن ذلك المتروك يقتضي تحريمه أو كراهته. وقد أكثر الاستدلال به كثير من المتأخرين على تحريم أشياء أو ذمها، وأفرط في استعماله بعض المتنطعين المتزمتين).
ويقول أيضا: (قررت في كتاب [الرد المحكم المتين] أن ترك الشيء لا يدل على تحريمه، وهذا نص ما ذكرته هناك: والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع. وإما أن ذلك الفعل المتروك يكون محظورًا فهذا لا يستفاد من الترك وحده، وإنما يستفاد من دليل يدل عليه.)
ثم استدل المؤلف بأقوال عدد من العلماء حول هذه المسألة :
يقول الإمام أبو سعيد بن لب ذاكر هذه القاعدة أيضًا، في الرد على من كره الدعاء عقب الصلاة: (غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن التزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف، وعلى تقدير صحة هذا النقل، فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه، وأما تحريم أو لصوق كراهية بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصل جملي متقرر من الشرع كالدعاء.
وفي [المحلى] [ج:2 ص:254] ذكر ابن حزم احتجاج المالكية والحنفية على كراهية صلاة ركعتين قبل المغرب بقول إبراهيم النخعي أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها، ورد عليهم بقوله: لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه ليس فيهم أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما. قال أيضًا: وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت أحدًا يصليهما. ورد عليه بقوله: وأيضًا فليس في هذا لو صح نهى عنهما، ونحن لا ننكر ترك التطوع ما لم ينه عنه.
يقول المؤلف :(وقد أنكر بعض المتنطعين هذه القاعدة ونفى أن تكون من علم الأصول فدل بإنكاره على جهل عريض، وعقل مريض. وها أنذا أبيّن أدلتها في الوجوه الآتية:
أحدها: أن الذي يدل على التحريم ثلاثة أشياء:
[1] النهي، نحو: {ولا تقربوا الزنا}، {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.
[2] لفظ التحريم، نحو: {حرّمت عليكم الميتة}..
[3] ذم الفعل أو التوعد عليه بالعقاب، نحو: "من غش فليس منا"، والترك ليس واحدًا من هذه الثلاثة، فلا يقتضي التحريم.
ثانيهما: أن الله تعالى قال: {وَمَا ءاتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولم يقل وما تركه فانتهوا، فالترك لا يفيد التحريم.
ثالثها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" ولم يقل: وما تركته فاجتنبوه. فكيف دلّ الترك على التحريم؟
رابعها: أن الأصوليين عرّفوا السنة بأنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره ولم يقولوا: وتركه، لأنه ليس بدليل.
خامسها: تقدّم أن الحكم خطاب الله، وذكر الأصوليون أن الذي يدل عليه قرءان أو سنة أو إجماع أو قياس، والترك ليس واحدًا منها فلا يكون دليلا.
سادسها: أن الترك أصل لأنه عدم فعل، والعدم هو الأصل والفعل طارىء والأصل لا يدل على شيء لغة ولا شرعًا، فلا يقتضي الترك تحريمًا.
وتساءل المؤلف في مناقشته للمسألة: (فما لهؤلاء المتزمتين اليوم يجزمون بتحريم أشياء مع المبالغة في ذمها بلا دليل إلا دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، وهذا لا يفيد تحريمًا ولا كراهة..
ثم قدم المؤلف نماذج من الترك:
هذه نماذج لأشياء لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم:
1. الاحتفال بالمولد النبوي.
2. الاحتفال بليلة المعراج.
3. إحياء ليلة النصف من شعبان.
4. تشييع الجنازة بالذكر.
5. قراءة القرءان على الميت في الدار.
6. قراءة القرءان عليه في القبر قبل الدفن وبعده.
7. صلاة التراويح أكثر من ثمان ركعات.
فمن حرّم هذه الأشياء ونحوها بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها فاتل عليه قول الله تعالى {ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.
لا يقال: وإباحة هذه الأشياء ونحوها داخلة في عموم الآية لأنا نقول: ما لم يرد نهي عنه يفيد تحريمه أو كراهيته، فالأصل فيه الإباحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما سكت عنه فهو عفو" أي مباح.
بعض علماء السلفية يعترفون بأن الترك ليس دليلا على المنع؟
ومع أن بعض أهل العلم لا يقبلون تطبيق قاعدة"الترك لا يقتضي المنع" نجد أنهم يقبلونها في حالات دون أخرى وهذا ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين عندما أجاز التعوذ في صلاة الفريضة عندما يقرأ الإمام من آيات الوعيد وكذلك السؤال عند آيات الرحمة: وعلل ذلك بأن ترك النبي صلى اللـه عليه وسلم لها لا يقتضي التحريم.
كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في هذه المسالة من كتاب ( الشرح الممتع علي زاد المستقنع )
( قال المؤلف: (وَلَهُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ آيَةِ وَعِيدٍ، وَالسُّؤَالُ عِنْدَ آيَةِ رَحْمَةٍ، وَلَوْ فِي فَرْضٍ.)
فإن قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إنَّ ما ثبت في النَّفْلِ ثَبَتَ في الفرض، فليكن سُنَّة في الفرض كما هو في النفل.
فالجواب: الدليل على هذا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي في كلِّ يوم وليلة ثلاث صلوات، كلَّها جهر فيها بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصَّحابةُ الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يفعل ذلك في الفَرْض، ولو كان سُنَّة لفَعَلَهُ ولو فَعَلَهُ لنُقل، فلمَّا لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما لم يفعله علمنا أنه ليس بسُنَّة، والصَّحابةُ رضي الله عنهم حريصون على تتبُّع حركات النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وسكناته حتى إنهم كانوا يستدلُّون على قراءته في السرِّية باضطراب لحيته[(563)]، ولمَّا سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة ماذا يقول[(564)]؟ ولو كان يسكت عند آية الوعيد مِن أجل أن يتعوَّذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شَكٍّ.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض كما مَنَعَهُ بعضُ أهل العلم؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»[(565)]؟
فالجواب على هذه أن نقول: تَرْكُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم له لا يدلُّ على تحريمه؛ لأنه أعطانا عليه الصَّلاة والسَّلام قاعدة: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء مِن كلام الناس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»[(566)]. والدعاء ليس من كلام الناس، فلا يبطل الصَّلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب الإِنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة لما تقدم تقريره.
موقف الإمام مالك
أعرف أن المانعين قد يستشهدون لمسألة "الاستدراك على الرسالة" بالأثر الذي رواه ابن الماجشون عن مالك عنه أنه قال: من ابتدع في الاسلام بدعة يراها حسنة زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول : ((اليوم أكملت لكم دينكم)) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا).
فإذا ذكرتم هذا الأثر فاذكروا أيضا آثارا أخرى وردت عن الإمام مالك وبينها العلامة الشيخ اباه بن عبد اللـه في فتواه حول المولد:
(و يذكر المترجمون لإمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا جاءه الطلبة خرجت إليهم جاريته و سألتهم: أتريدون الحديث أو المسائل؟ فإن كانوا يريدون الحديث دخل مغتسله فاغتسل وتطيب وسرح لحيته ولبس أجمل ثيابه، ونصب له سرير ليجلس عليه، يفعل ذلك تعظيما لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يريدون المسائل خرج إليهم على حالته. وقد سأله بعض القضاة عن حديث وهما ماشيان في الطريق فأمر بضربه عشرة أسواط وقال له: أتسأل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق؟ ولما وصل إلى منزله حدثه بعشرة أحاديث عدد الأسواط التي ضربه فقال القاضي: ليت مالكا زادني أسواطا وزادني حديثا، وكان لا يركب دابة ولا يلبس نعلا في المدينة، وقال إنه لا يطأ بقعة دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم بحافر دابة أبدا. ولم يرو فيما علمت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا من التابعين فعل مثل ما فعله مالك، ولم نسمع أن أحدا ممن عاصر مالكا ولا من جاء بعده نقم عليه فعله هذا، أو عده بدعة وغلوا في الدين، بل على العكس من ذلك جعلوه من أبرز مناقبه، فلتكن إذن إقامة المولد والاحتفال به من هذا الباب فلا فرق ظاهر عند التأمل.
فإذا رجحتم القول الذي روى ابن الماجشون فسيرجع المحتفلون إلى مواقف الإمام مالك الأخرى التي فيها تعظيم للنبي صلى اللـه عليه وسلم لم يرو عن الصحابة على ذلك النحو.
ولكن الجمع أولى من الترجيح كما عند الأصوليين.
هل البدع كلها مذمومة؟
لا تحتفلوا بذكرى المولد النبوي الشريف وصنفوه من البدع "المذمومة" وسُوقوا ما شئتم من أدلة فذلك حقكم، لكن رجاء لا تتهموا العلماء والمسلمين عموما في نياتهم فنيتهم حسنة مثلكم وهم من أهل العلم مثلكم..
لا تقولوا لهم هذه البدع والمحدثات كلها مذمومة فهم يعرفون معنى البدعة وأقسامها حسبما بين أهل العلم .. يقول الإمام الشافعي:
(المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما ما أُحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو اجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة).
أليس الإمام الشافعي من أهل القرون المزكاة؟ أليس إمام أحد أكبر المذاهب الفقهية المعتبرة؟
ويقول الإمام ابن رجب في كتابه "جامع العلوم والحكم " في تعليقه على حديث" كل بدعة ضلالة: (فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل في الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة و الباطنة) .
بل إن ابن رجب يذكر صراحة أن البدعة قد تكون حسنة: "وكثير من الأمور التي حدثت ولم يكن قد اختلف العلماء في أنها بدعة حسنة حتى ترجع إلى السنة أم لا؟ فمنها كتابة الحديث نهى عنه عمر وطائفة من الصحابة ورخص فيها الأكثرون " .
والإمام ابن رجب ليس صوفيا بل هو من أئمة المدرسة السلفية وقد خضعت أعماله لتفتيش واختبار "نجح فيه"، وكانت نتيجة الاختبار حسبما ما ذكر أحد الإخوة السلفيين: (سلك ابن رجب رحمه الله منهج السلف في مسائل الأيمان والتلقي، ونصر وذب عنه أباطيل الخصوم، ومصنفاته مشحونة بذلك، وله رسائل مفردة في هذا الباب؛ مثل: (بيان علم السلف على الخلف)، ولكن في مصنفاته مسحة صوفية، عصمه الله من الانحدار في مزالقها، بما آتاه الله من علم أثرى غزير، ومنهج سلفي واضح)..
أعرف أنكم ستذكروننا بنصوص من الحديث الشريف مثل حديث ( كل بدعة ضلالة ...) ولكم الحق في توجيه النص لخدمة الرأي الذي ترونه ، لكن أرجوكم أعطوا ذلك الحق للإمام النووي وأضرابه من العلماء.
قال الإمام النووي رحمه الله في كتاب شرح صحيح الإمام مسلم :(قوله: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها إلى آخره فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنة والتحذير من اختراع الأباطيل و المستقبحات و في هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه و آله و سلم: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة وقد سبق بيان هذا في كتاب صلاة الجمعة وذكرنا هناك أن البدع خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة).
ألا يحق للإمام النووي أن يجمع بين النصوص على هذا النحو؟
هل للمولد أصل؟
كما مر معنا فإن المانعين يتمسكون بعبارة لو كان خيرا لسبقونا إليه ويتهمون المحتفلين بالاستدراك على النبي صلى اللـه عليه وسلم وينفون وجود أصل للمولد.
إليكم ما يقوله الحافظ ابن حجر العسقلاني:
(وقد ظهر لي تخريجه على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله تعالى فقال النبي صلى الله عليه و سلم «نحن أحق بموسى منهم، فصامه وأمر بصيامه»..
ألا يحق للحافظ ابن حجر العسقلاني النظر في الأدلة ليستخرج منها أصلا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟
الاجماع على المنع
لا تقولوا بارك اللـه فيكم إن الاجماع متحقق على منع الأمة للمولد. ولعلنا هنا نرجع إلى تعريف أهل العلم للإجماع لنفهم هل أجمع السلف فعلا على بدعية المولد.
الإجماع في اصطلاح الأصوليين : هو اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في واقعة . (د . عبد الوهاب خلاف، في كتاب علم أصول الفقه . ص : 47 ) .
استنتج خلاّف من هذا التعريف أن الإجماع لا ينعقد شرعا إلا بتحقق أربعة أركان منها :
أولا : أن يتفق على الحكم الشرعي في الواقعة، جميع المجتهدين من المسلمين في وقت وقوعها.
ثانيا : أن يكون اتفاقهم بإبداء كل واحد منهم رأيه صريحا في الواقعة سواء أكان إبداء الواحد منهم رأيه قولا بأن أفتى في الواقعة بفتوى، أو فعلا بأن قضى فيها بقضاء .
ثالثا : أن يتحقق الاتفاق من جميع المجتهدين على الحكم فلو اتفق أكثرهم لا ينعقد باتفاق الأكثر إجماع مهما قل عدد المخالفين.
هل انعقد الإجماع فعلا بهذا المعنى في عصر من العصور بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
أجاب عبد الوهاب خلاف على هذا السؤال بالنفي، مبينا أن من رجع إلى الوقائع التي حكم فيها الصحابة واعتبر حكمهم فيها بالإجماع يتبين أنه ما وقع إجماع بهذا المعنى، وأن ما وقع إما كان اتفاقا من الحاضرين من أولي العلم والرأي على حكم في الحادثة المعروضة (علم أصول الفقه ص : 51 ـ 52 ).
فإذا كانت قضية المولد طرحت وحصل الإجماع على منعها فاعطونا ما يثبت ذلك، وإذا لم تطرح القضية ولم تناقش فمن أين لكم أن تمنعوا المجتهدين من إجازة الاحتفال بعد النظر في نصوص من القرآن ومن السنة ومن حوادث تعظيم السلف للنبي صلى اللـه عليه وسلم.
بين الكثرة والقلة
لا تقولوا بارك اللـه فيكم الكثرة ليست دليلا على الحق والحق لا يعرف بالرجال، فكذلك القلة لا تعني بالضورة أن أصحابها هم وحدهم على الحق، فكما قد يكون الحق مع القلة قد يكون مع الكثرة وكما قد لا تعني كثرة الرجال وجود الحق فقد لا يكون الحق مع القلة، ولكن المخرج من ذلك هو التركيز على النيات ليسلم الجميع وليس التركيز عليها ليأثم الجميع..
وإذا تمسكتم بأن الكثرة لا تعني وجود الصواب والحق فأين أنتم من الحديث الشريف: (إنَّ اللهَ لا يجمَعُ أُمَّتي- أو قال: أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- على ضلالَةٍ"
وأنتم تعرفون أن غالبية علماء المسلمين هيئات وفتاوى فردية يجيزون الاحتفال بالمولد، دون أن ندعي إجماعا على المسألة.
بين التزكية والتشنيع
لا تبالغوا بارك اللـه فيكم، في تزكية أنفسكم وفي التشنيع على المحتفلين ونزع أي صفة خير عنهم فليس ذلك من العدل.
يقول الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق: (... ويعرض دعاة الاحتفال بالمولد هذه القضية على أنها خصومة بين أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه وخلاف بين من يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقدرونه وينتصرون له، وبين من يهملونه، ولا يحبونه ولا يضعونه في الموضع اللائق به
ولا شك أن عرض القضية على هذا النحو هـو من أعظم التلبيس وأكبر الغش لجمهور الناس، وعامة المسلمين، فالقضية ليست على هذا النحو بتاتاً فالذين لا يرون جواز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من الابتداع في الدين هم أسعد الناس حظاً بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، فهم أكثر الناس تمسكاً بسنته، واقتفاء لآثاره، وتتبعاً لحركاته وسكناته، واقتـداء به في كل أعماله صلى الله عليه وسلم، وهم كذلك أعلم الناس بسنته وهديه ودينه الذي أرسل به، وأحفظ الناس لحديثه، وأعرف الناس بما صح عنه وما افتراه الكذابـون عليه، ومن أجل ذلك هم الذابون عن سنته، والمدافعون في كل عصر عن دينه وملته وشريعته بل إن رفضهم للاحتفال بيوم مولده وجعله عيداً إنما ينبع من محبتهم وطاعتهم له فهم لا يريدون مخالفة أمره، ولا الافتئات عليه، ولا الاستدراك على شريعته لأنهم يعلمون جازمين أن إضافة أي شيء إلى الدين إنما هو استدراك على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن معنى ذلك أنه لم يكمل الدين، ولم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أنزل الله إليه أو أنه استحيا أن يبلغ الناس بمكانته ومنزلته".
هكذا قسم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق الفريقين إلى متمسكين بالسنة ومقتدين به صلى الله عليه وسلم وهم أعلم الناس بسنته وهديه وأحفظهم لحديثه الذابين عن سنته .. وهم المانعون للاحتفال بالمولد، أما الفريق الآخر -حسب تصنيف الشيخ عبد الرحمن- فهم أهل المخالفة والافتئات والاستدراك على الشريعة.
ويبين الشيخ عبدالرحمن بن عبد الخالق فكرته بصورة أكثر وضوحا فيقول :
"إن الذين يُتهمون بأنهم أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم ومنكرو فضله، وجاحدو نعمته، كما يدّعي الكذابون هم أسعد الناس حظا بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبته، وهم الذين علموا دينه وسنته على الحقيقة. وأما أولئك الدعاة إلى الاحتفال بالمولد فدعوتهم هذه نفسها هي أول الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول الكذب عليه، والاستهانة بحقه، فدعاة المولد -بدعوتهم إليه- مخالفون لأمره صلى الله عليه وسلم، مفتئتون عليه، مستدركون على شريعته، ونفاة المولد متبعون للرسول صلى الله عليه وسلم، متابعون لسنته، محبون له، معظمون لأمره غاية التعظيم متهيبون أن يستدركوا عليه ما لم يأمر به".
المسألة إذن واضحة جلية، فمانعو الاحتفال أهل محبة وطاعة، ومؤيدوه هم أهل حرب على الرسول صلى الله عليه وسلم وكذب عليه واستهانة بحقه! هذا طبعا حسب تصنيف الشيخ عبد الرحمن..
ولم يكتف الشيخ عبد الرحمن بكل هذا، حتى حكم بأن المؤيدين للاحتفال أهل زندقة وأنهم في أحسن أحوالهم أهل بدعة، يقول الشيخ:" ونأتي الآن إلى سؤال هام: وماذا في المولد؟ وما الذي يصنع فيه؟ والجواب: أن الذين يحتفلون بالمولد هم في أحسن أحوالهم مبتدعون، مفتئتون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستدركون عليه، مجهلون لسلف الأمة وأئمتها. هذا في أحسن الأحوال إذا صنعوا معروفا في الأصل لتذكر لنعمة الله بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، وقراءة في سيرته وصلاةٍ وسلامٍ عليه، وإظهارٍ للفرح والسرور بمبعثه، ونحو ذلك مما هو من الدين في الجملة ولكنه لم يشرع في هذه المناسبة. ولكن الحق أن أهل الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم هم في العموم ليسوا على شيء من هذا أصلا. فالمولد عندهم بدعة أنشأت بدعاً منكرة، بل شركاً وزندقة).
لاحظوا بارك اللـه فيكم هذا الخطاب الموغل في تزكية المانعين لأنفسهم والمبالغ حد العدوان في ذم وتسفيه المجيزين للاحتفال، فماذا ستستفيد الأمة من مثل هذا الخطاب سوى الفرقة والتشتت وزيادة الأحقاد..
الخلاف حول يوم المولد وهل الأولى الفرح أم الحزن؟
لا تقولوا وفقكم اللـه: إن المولد لم يثبت أنه يوم الثاني عشر من ربيع الأول، فالمحتفلون يقصدون في النهاية يوم المولد، والذي استقر عليه كثير من أهل السير وفي مقدمتهم ابن هشام أن المولد حدث يوم الثاني عشر وإن ثبت أنه يوم التاسع فسيحتفلون به ..
ولا تقولوا، وفقكم اللـه، يوم البعثة أولى بالفرح، فذلك من مناهج المغالطة، فالمسألة لا تتعلق بالمفاضلة بين المولد والبعثة وعلى أية حال فالمحتفلون يفرحون بيوم بالبعثة كما يفرحون بيوم المولد.
لا تقولوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين والحزن أولى فهذا من الجدل العبثي، وإن تمسكتم بهذا الحجة فأقيموا مأتما بمناسبة وفاته صلى الله عليه وسلم واتركوا الأمة تفرح بيوم مولده وبذلك يتم الجمع وهو أولى من الترجيح، فلا يعقل أن المحتفلين يحتفلون لأن النبي صلى الله وسلم توفي في هذا اليوم، فهذا لا يقول به مجنون أحرى عاقل.
لا تقولوا، بارك الله فيكم، مدارسة السيرة ينبغي أن تكون كل يوم ولا يخص بها هذا الشهر أو هذا الاسبوع فالمحتفلون يعرفون ذلك ويطبقونه ويتدارسون السيرة على مدار العام مثلكم ..
تأملوا، بارك الله فيكم، في هذه القائمة من أئمة المذاهب: البناني، الدرديري، الدسوقي ،الصاوي، عليش ، النووي ،علي بن عبد الكافي السبكي ، القاضي عبد الوهاب بن علي السبكي ، الحافظ العراقي، ابن حجر، السيوطي ... وغيرهم كثير من السلف والخلف، ومن علماء قطرنا من المعاصرين الشيخ اباه بن عبد الله، الشيخ محمد الحسن أحمد الخديم، الشيخ عبد الله بن بيه الشيخ محمد سيدي يحيى والقائمة تطول .. كل هؤلاء قالوا بجواز الاحتفال بالمولد.
ألا يعرف هؤلاء وأضرابهم معنى البدعة المذمومة وخطرها؟ أليسوا من أهل الحرص على السنة وعلى الشريعة؟ أليسوا من أهل محبة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ألم يتبحروا في العلم ؟ أليست لهم القدرة على النظر في الأدلة ؟.
مسألة خلافية
إذا أحسنتم الظن ونظرتم بهدوء وابتعدتم عن احتكار الصواب، عندها ستكتشفون أن موضوع المولد مسألة خلافية بين أهل العلم، وكما هو مقرر عند أهل العلم فلا إنكار في المسائل الخلافية.
غيروا بارك فيكم منهج التعاطي مع هذه المسألة وأخرجوه من دائرة احتكار العلم والحق والصواب واعلموا أن فضل الله واسع .
وإذا أردتم حوارا هادئا منصفا فيه أمانة علمية اذكروا أقوال المخالفين واعترفوا لهم بعلمهم وفضلهم وناقشوا آراءهم بتجرد ثم اختاروا ما رأيتم أنه الأرجح من وجهة نظركم.
وعندها سيتضح أن المسألة ليست معركة حق باطل بل هي قضية يسوغ فيها الاختلاف بين أهل العلم وكل على خير بإذن الله.
لا تزويدوا الأمة تشتتا وتفرقا ..
نظموا لنا محاضرات حول السيرة النبوية كل يوم أو كل اسبوع لعلكم تشغلون بها المحتفلين بدل هذا الجدل العقيم الذي يتكرر كل سنة دون ثمرة ..
وعلى المحتفلين الاحتفال وفق الضوابط الشرعية وعليهم أيضا احترام المخالفين والبعد عن اتهامهم بعدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم.
فالأصل أن الجميع أهل محبة وحرص على السنة وقبل ذلك أهل حسن نية وصحة مقصد.
وأسوق هنا فقرات من فتاوى ثلاثة من أكابر علماء الأمة في هذا العصر:
يقول العلامة الشيخ اباه بن عبد اللـه:
(والحاصل أنه إن خلا من المحرمات والمنكرات فهو حسن وإلا فمذموم فاعله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يعظم بخلاف سنته، ودرء المفاسد الراجحة أو المساوية مقدَّم على جلب المصلحة)..
ويقول الشيخ يوسف القرضاوي:
(وفي هذه المناسبة أذكِّر الناس بهذا الحدث العظيم وبما يُستفاد به من دروس، لأربط الناس بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب 21] لنضحي كما ضحى الصحابة، كما ضحى علِيّ حينما وضع نفسه موضع النبي صلى الله عليه وسلم، كما ضحت أسماء وهي تصعد إلى جبل ثور، هذا الجبل الشاق كل يوم، لنخطط كما خطط النبي للهجرة، لنتوكل على الله كما توكل على الله حينما قال له أبو بكر: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال: "يا أبا بكر ما ظنك في اثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".
نحن في حاجة إلى هذه الدروس فهذا النوع من الاحتفال تذكير الناس بهذه المعاني، أعتقد أن وراءه ثمرة إيجابية هي ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منه الأسوة والقدوة، أما الأشياء التي تخرج عن هذا فليست من الاحتفال؛ ولا نقر أحدًا عليها)
ويقول الشيخ عبد اللـه بن بيه:
فَحاصِلُ الأَمرِ؛ أَنَّ مَن احتفل به فسرد سيرته صلى الله عليه وسلم والتذكير بمناقبه العِطرة احتفالاً غير مُلتَبِس بِأَيِّ فِعلٍ مَكرُوهٍ مِن النّاحِيَةِ الشَرعِيَّةِ ولَيسَ مُلتَبِسَاً بِنِيَّةِ السُنَّةِ ولا بِنِيَّةِ الوجُوبِ فإذا فَعَله بِهَذِهِ الشُّروطِ التي ذَكَرتُ؛ ولَم يُلبِسه بِشَيءٍ مُنافٍ للشَّرعِ، حباً للنبي صلى الله عليه وسلم فَفِعلُهُ لا بَأسَ بِهِ ـ إن شاءَ اللهُ ـ وهو مُأجَورُ فقد ذَكَرَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَةَ، قالَ: إنَّهُ مَأجُورٌ على نيته؛ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي ( اقتَضاءِ الصِّراطِ المُستَقِيمِ ) أَمّا مَن تَركَ ذَلِكَ أيضاً يُرِيدُ بِذَلِكَ مُوافَقَةَ السُنَّةَ وخَوفاً مِن البِدعَةِ فَهَذا أَيضاً يُؤجَرُ ـ إن شاءَ اللهُ ـ فَالأَمرُ لَيسَ كَبِيراً ولَيسَ مُهَوِّلاً ولا يَنبَغِي أَن نَزِيدَ فِيهِ عَلى ما يَقتَضِيهِ الحالُ.).
لاحظوا بارك الله فيكم اتفاق هؤلاء الأعلام على البعد عن كل ما يخالف الشرع في الاحتفال بالمولد ودعوتهم إلى جمع المسلمين على كلمة سواء..
أجدد الدعوة للجميع لتغيير منهج التعاطي مع موضوع المولد فالحكمة الحكمة والرفق الرفق واللين اللين، أحسنوا الظن ببعضكم.. وأرجو من المحتفلين عدم الرد بالمثل على غلظة إخوتهم المانعين فهذه فرصتهم للاحتفاء بمولده صلى اللـه عليه وسلم بسكينة وطمأنينة..
كفانا من استثمار الموسم لتبادل الأوصاف السلبية وإثارة النعرات الطائفية والتعصب المذهبي فالأولى من ذلك الصبر على أذى الخصم والشفقة عليه وتقريبه بالكلمة الطيبة.. فتلك هي الأخلاق المحمدية التي تناسب إحياء الليالي المحمدية.
أفلا نحتاج إلى هدنة لمراجعة منهج التعاطي مع هذه المسألة ؟
لنجعل المسألة مسألة اجتهادية بين أهل العلم يحترم فيها لكل فريق رأيه ما دام يحترم للمجتهدين رأيهم في المسألة.
أيها المانعون تنازلوا قليلا لإخوتكم المحتفلين واقبلوا المسألة في مساحة المباح أو المسكوت عنه وإلا فادعوا لهم بألا يؤاخذوا "ببدعة" إظهار محبة النبي صلى اللـه عليه وسلم بدل التشنيع عليهم وإخراجهم من أهل السنة وربما من أهل الملة.
وتذكروا أنكم مهما أوتيتم من قوة الحجة فأن أقصى ما ستصلون إليه إنما هو الوصول إلى فهم أو تقديم محاججة عقلية لا تنقض حجج الآخرين ولن تستطيعوا أن تقدموا نصا قاطعا بالمنع فلو كانت المسألة من القطعيات لما حصل خلاف أصلا.
وأقول أخيرا للجميع:
هلا اتبعنا منهج المتخاصمين الذين لجأوا إلى نبي اللـه داوود عليه الصلاة والسلام ليحكم بينهم فقال صاحب الدعوى كما ورد على لسانه في كتاب اللـه الكريم (إن هذا أخي) ولم يصفه بالظلم أو بالعدوان، لكن حالنا مع الأسف أقرب هو إلى وصف القرآن لبعض المتنازعين (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض...)..
نسأل الله أن يصلح حال الأمة .
إنما الناس بالمحبة والصدق ،، وإلا فالناس ماء وطين
الهادي بن محمد المختار النحوي
والصلاة والسلام على الحبيب الشفيع.