لقد كنت عازما - منذ زمن ولا زلت على تلك النية - أن أتجنب الخوض في أمور السياسة الداخلية أو التعليق على ما يدور فيها زهدا في ذلك من جهة و انشغالا بغيره من جهة أخرى .
مع ذلك رأيت ضرورة تسجيل موقف إشادة و ارتياح لما صدر يوم 26 من الشهر الماضي من مضمون اتفاق بين وزارة الداخلية واللامركزية و الأحزاب السياسية .
و الحقيقة إن توقف الحوار في يوليو الماضي كان قد ولد قدرا من الإحباط بحيث لم يكن الكثيرون يرفعون سقف التوقعات من حوار إجرائي بادئ حول الانتخابات بين وزارة الداخلية والأحزاب والذي انطلق متثاقلا إن لم يكن موضع ريبة لدى بعض من الأطراف السياسية المهمة .
لكن لا أخفي أنني تفاجأت تماما من حصول هكذا اتفاق و بهذا المضمون
و النطاق فضلا عن سرعة إنجازه دون ضجيج و في غفلة من الجميع .
هذه خطوة تراكمية كبيرة جدا في مسار الرشد الديموقراطي وهي تضع الأسس لمشاركة سياسية حقيقية واسعة وفعالة .
سيبقى هناك من يجادل أن الورقة قد لا تخلق تماما الشروط الضامنة لتناوب من "خارج الإطار " والذي هو في الحقيقة أمر لما تنضج بعد ظروفه و ضماناته وربما الحاجة إليه قبل تهيئة نفسية و تجربة مستقرة .
مع ذلك يبقى من المفيد الانتباه لرصد مؤشرين مهمين لقياس درجة وعمق التحول المنشود :
- الأول : وهو التطبيق الفعلي
والأمين على الأرض لمضمون الإتفاق لأن المشكل في البلد كان دائما يكمن أساسا في التطبيق .
- الثاني : هو كيف ستنعكس حسن النية الواضحة و الرغبة في إحداث تحول جديد في موضوع آخر ذي صلة ألا وهو مخرجات عملية إصلاح حزب "الإنصاف " الجارية لأهمية هذا الحزب الحاكم ولكونه محفلا للأغلبية العظمى من النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فهل سيخرج من عملية الإصلاح الجارية وإعادة الهيكلة المنتظرة كقاطرة مطلوبة لممارسة ديموقراطية سليمة أم هل سيبقى في خانة العربات ؟
أكثر من ذلك فإن "مسألة الضعف الحزبي" ليست فقط مشكلة حزب "الإنصاف" بل هي بالتأكيد أشد و أظهر لدى غيره من الأحزاب وهذا ما يتطلب ربما ورشة جديدة حول الموضوع نظرا لأهمية الأحزاب في نظامنا السياسي الذي لم يعد يقبل الترشحات الحرة كما أن الاعتراف بالأحزاب الجديدة لم تعد مسألة تلقائية لأسباب مفهومة لكنها أحيانا قد لا تكون منصفة .
في الختام : الشكر و التهنئة مستحقان لجميع المشاركين في هذا الحوار المثمر و خاصة لمعالي وزير الداخلية و اللامركزية السيد محمد أحمد ولد محمد لمين وطاقمه و كذلك رؤساء الأحزاب السياسية كل بإسمه لما اتسمت به مواقفهم من نضج
و إيجابية و روح وطنية التي سمحت بأن يخرج للنور مثل هذه الورقة الراقية والشاملة والمفاجئة .
وتحية لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني صاحب توجيه الدفة
و مرجعية القرار في كل ذلك.
وحفظ الله بلدنا من كل مكروه.
السلام عليكم