منذ تعيينه في منصب وزير الداخلية سعى الرجل الكتوم، بحسب مقربين منه، لوضع خارطة طريق للانتخابات المقبلة، بدأت بدعوة الأحزاب السياسية للتشاور، للخروج بتصور يُمكِّن من تنظيم الانتخابات البلدية والتشريعية والجهوية قبل آجالها المحددة وبطريقة توافقية. أُسندت مهمة رئاسة الحوار للوزير الأمين العام السابق لرئاسة الجمهورية السيد: يحيى ولد الوقف، الذي رأى فيه رئيس الجمهورية أنه الشخص الأمثل للقيام بهذه المهمة، والظاهر أنه لم يضع في الحسبان أن تشاوراً من هذا النوع وفي هذا الظرف بالذات، سيفتح المجال أمام ذاكرة من التأزم تسعى للعودة بموريتانيا إلى ستينيات القرن الماضي، وهو ما بدا واضحاَ من خلال مُطالبة بعض المشاركين في الحوار بكتابة نوعية الشريحة في بطاقة التعريف الوطنية.
وعلى عكس استحقاقات العام 2007 ، فقد أفرزت انتخابات 2018 تحديات مركبة وشائكة شكلت خطرا على الوحدة الوطنية وعلى التوازنات الإستراتيجية القائمة عليها الدولة الموريتانية منذ نشأتها، وهذا راجع في نظري لمحاولة رأس النظام السابق تفكيك كل البنى القائمة بهدف التحضير لمأمورية ثالثة، يُراد للظروف المتأزمة أن تجعل منها أمرا واقعا، رافعة بذلك حرج الإخلال بالدستور عن الرئيس السابق .
قد يكون وزير الداخلية الحالي أكثر الناس دراية بالأخطار المتأتية عن إقحام الشرائحية في الخطاب السياسي، وما يترتب على ذلك من تحديات تمس وحدة شعب مكون من فسيفساء متنافرة بحكم عامِليْ التاريخ والواقع المعيش.
صحيح أن التشاور بين مكونات الطيف السياسي يشكل خطوة مهمة لحلحلة هذا النوع من المشاكل، لكن الأهم من وجهة نظري هو مُحاولة خلق بدائل للأساليب السياسية التي صارت تعتمد بشكل رئيسي على إثارة العداوة بين مكونات الشعب، وفي هذا الصدد تم إقحام مفهوم الفئة بدل الشريحة، ووزعت النسب بين مختلف الفئات العمرية، وفي تلك المقاربة بعدين في غاية الأهمية ، يتعلق أولهما بسحب البساط من أصحاب رؤوس الأموال الذين تصدروا المشهد السياسي، الأمر الذي انعكس سلبا على الفئات الهشة وعلى مشاريع البنية التحتية، حيث تحولت هذه الأخيرةلصفقات بالتراضي في ظل احتكار رجال الأعمال لصفة المشرع.
أما ثانيهما فيسعى لسد الباب أمام دعاة الشرائحية التي شكلت في الآونة الأخيرة وسيلة مُغرية لتحقيق الامتيازات على حساب أمن الدولة وتماسك شعبها، في ظل تشجيع من أصحاب القرارالسابقين، وتهافت النخبة، الأنانية بطبعها، على تكريس هذا الواقع الذي يمنحها التحكم في خيوط ألعاب متعددة الفوائد، لعل أهمها أسهم المحاصصة باسم اللون والجهة، وتأشيرات اللجوء لدول غربية بعينها.
إن المتتبع رؤية معالي وزير الداخلية يدرك بسهولة أن ثمة مشهداً جديداً يُراد رسمه طبقا لإستراتيجية تعتمد على ثلاث مقاربات تتعلق بالخطاب السياسي وبنوعية الفئات التي يراد لها أن تتصدر المشهد، ناهيك حذف مفاهيم مُعينة تسللت إلى قاموس السياسة، بعد أن بلغ المدالشرائحي أوجه بفعل فاعل، وفي هذا الإطار مُنحت مقاعد للشباب والمعوقين وغيرهم، في خطوة مهمة لوضع ملامح لخطاب سياسي أكثر نضجا، سيكون كلمة السر لترتيب مشهد سياسي توحي كل معالمه أنه بدأ يشكل خطرا حقيقيا على استقرار موريتانيا، وإذا استطاع ولد محمد الأمين أن يرسُم خريطته بوضوح على رمال متحركة، فإنه سيضع لبنات مهمة في علمية استقرار بلد تعصف الأزمات بمحيطه الجيو سياسي.
د. أمم ولد عبد الله