جهود الدولة في محاربة للفساد

يعتبر الفساد كارثة مدمرة، يجب مواجهتها ومجابهتها وتسعى الدولة للقضاء على هذه الظاهرة بكل الطرق المتاحة وذلك عن طريق تطبيق القانون علىى كل شخص جرمه القضاء وأثبت فساده وأصدرت المحاكم المختصة أحكاما قضائية تدينه وذلك تجسيدا لمبدأ إستقلالية القضاء وعدم تدخل السلطة التنفيذية في عمله.  
إن السلطة التنفيذية عملا بمقتضيات القانون لاتساوم في تنفيذ الأحكام القضائية ضد من ثبت تورطهم في ملفات فساد، لأنها تدرك كل الإدراك أن المتضرر الأول من ظاهرة الفساد هم الفقراء، المساكين، ذوي الاحتياجات الخاصة، كبار السن،الأطفال وكافة الطبقات الهشة من مجتمعنا لذلك تسعى الحكومة عن طريق كافة أجهزتها التي سنتطرق لها لاحقا إلى كسب حرب الفساد لتحقيق التنمية المنشودة وتحسين الظروف المعيشية لهذه الطبقات الهشة التي ذكرناها ٱنفا والتي تكتسي أهمية كبيرة وخاصة عند رئيس الجمهورية الذي يعي جيدا أن الفساد يكرس العنف والتطرف والأخطر من ذلك يبدد الثقة بين المواطن والدولة.
رغم الإجراءات والتدابير التي اتخذها رئيس الجمهورية في مجال محاربة الفساد، إستنادا  الى قوانين الجمهورية المتعلقة بمكافحة الفساد وكذلك الإتفاقيات الموقعة في هذا الصدد كالإتفاقية الدولية للشفافية ومحاربة الفساد، اتفاقيات محاربة الفساد العربية و الافريقية والإتفاقيات الثنائية العديدة الأخرى، لم يسعف ذالك بلدنا الذي يقبع في مؤخرة الدول في ما يخص مأشر الفساد، إذ تحتل موريتانيا في هذا الصدد المرتبة 140 من أصل 180 دولة  لمؤشر الفساد للعام 2021.
هذه المرتبة المقلقة، تستوجب على الحكومة الموريتانية تكثيف جهودها وتحمل مسؤولياتها و الدفع قدما في محاربة هذا  الداء العالمي الذي "على الرغم من بعض المكاسب، لايزال يمثل استنزافا هائلا للموارد التي تشتد الحاجة إليها للتعليم والصحة والبنية التحتية" هوجيت لابيل، رئيس منظمة الشفافية الدولية.
فالأرقام والإحصائيات تستدعي تضافر الجهود من أجل بلورة رؤية واضحة وإجراءات عملية حتى نتمكن من كسب معركة الفساد التي يعول الشعب كثيرا على كسب الحكومة لها إذا أرادت تحقيق تطلعات الشعب الموريتاني ونيل ثقته. 
إن الحكومة الموريتانية أمام مفترق طرق، فإما السير في طريق البناء والتنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي كما يتطلع الى ذلك الشعب وكما يريد رئيس الجمهورية ولا يكون ذلك إلا بالمحاربة الجدية والصارمة بل والشفافة لظاهرة الفساد هذه وتداعياتها أو السير في نفس المربع الذي يكرس الفساد وسوء التسيير والتلاعب بالمصالح العامة مما يترتب عنه المزيد من الخراب والفقر والانحطاط. 
ولتسليط الضوء على كافة حيثيات هذا الموضوع نقترح معالجته من خلال المحاور التالية:
 
المحور الأول تعريف الفساد ومظاهره

أولا تعريف الفساد
يعرف الفساد بأنه الخروج عن النظام والقانون أو عدم الالتزام بهما أو إستغلال غيابهما لتحقيق مصالح إقتصادية أو سياسية أو اجتماعية لفرد معين أو لمجموعة معينة، بعبارة أخرى هو بعض السلوكيات السلبية من قبيل الإستخدام السيئ للمنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة للموظف العمومي أو لمجموعته.  

ثانيا مظاهر الفساد
لا بد أن نعرف أن هذا الفساد الذي يجب علينا جميعا أن نحاريه كل من موقعه له مظاهر عديدة من أهمها:

 1-الرشوة بمعنى أن الموظف العمومي يأخذ المال مقابل تنفيذ عمل معين بدون وجه حق، والرشوة هي عمل يجرمه القانون ويعاقب على ارتكابه؛ 
2-المحسوبية وهي قيام الموظف بإسداء مصلحة بطرق غير شرعية لشخص تربطه به قرابة او جهة  او علاقات أخرى
3-المحاباة وهي تفضيل جهة عن جهة أخرى من دون وجه حق من أجل تحقيق الموظف العمومي منفعة شخصية من هذه المصلحة 
4-  الوساطة وهو التعيين أو الاكتتاب خارج القانون وهذا النوع من أخطر الفساد ويجب على الدولة ومفتشياتها التحقيق الدائم والمستمر بخصوصه  حتى لا تضيع الحقوق. 
5-نهب المال العام  وهو التصرف في أموال الدولة من غير وجه حق تحت مسميات واهية لذلك لابد للدولة من مواكبة تسيير موظفيها وعمالها  للممتلكات العامة حتى تستطيع كسب معركة الفساد بعزل المفسدين ومسائلتهم قانونيا. 

المحور الثاني الاطار القانوني  والمؤسسي لمحاربة الفساد

تعتبر المنظومة القنونية والمؤسسية هي  الضمان الوحيد لكسب الحرب على الفساد  ففي هذا الإطار قامت الحكومة بخطوات مهمة بدءا من سن قانون محارب ومجرم للفساد وهو القانون الذي جاء مكملا لبعض مقتضيات ومواد القانون الجنائي وكذا الاجراءات الجنائية بغية محاسبة المفسدين وكذلك من أجل قطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات البلد لتحقيق مٱربه الشخصية أو الكسب الغير مشروع من خلال الوظيفة
أنضمت موريتانيا في مجال محاربة الفساد للدول الموقعة على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد في الخامس والعشرين من اكتوبر للعام 2006 وخلال عقد من الزمن لم تسن اي تشريعات تخص مكافحة الفساد بشكل صريح، وفي العام 2016 اصدرت موريتانيا قانونها رقم 014-2016 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد هذا القانون دعم عمل الهيئات الرقابية التي كانت موجودة وأنشأت بعض المصالح الجديدة في إطار العمل على القضاء على كافة اشكال الفساد. 
من المهم أن نذكر أن الاطار التشريعي للإتفاقية الأممية يتقاطع مع النصوص التشريعية المعتمدة في بلادنا خصوصا ما يتعلق منها بتجريم الرشوة والمتاجرة بالنفوذ بالنسبة للموظف الحكومي والاختلاس وإساءة استقلال الوظيفة والاثراء الغير مشروع، انظر المواد  7 -16-19-20-22
القانون رقم 014- 2016 دعم الكثير من المقتضيات القانونية خصوصا في مجال القانون الجنائي وكذلك قانون الإجراءات الجنائية . 

المحور الثاني: أجهزة الدولة الرقابية

أولا البرلمان 

يمارس البرلمان الموريتاني رقابته على عمل السلطة التنفيذية عن طريق وسائل الرقابة المذكورة في الدستور كالإستجواب، توجيه الأسئلة، لجان التحقيق البرلمانية (في هذا الإطار يجب الإستفادة من عمل اللجنة البرلمانية التي تم إنشاؤها بغرض التفتيش في بعض ملفات العشرية ولم لا إنشاء لجان تفتيش أخرى وتوسيع دائرة التفتيش)، التصويت على قانون الميزانية وتسوية وتعديل الميزانية. 
من هذا المنطلق لايمكن لمحاربة الفساد أن تكون فعالة إلا إذا لعب البرلمان دوره بكل شفافية وتجرد. 
فالسلطة التنفيذية ملزمة بمعالجة كافة الإختلالات التي يتوصل  إليها البرلمان من خلال دوره الرقابي الهام. 
إذا المراقبة البرلمانية ظاهرة صحية لرقي وتطوير بلدنا ومجتمعنا إذا مورست بشكل فعال وصحيح لا تتدخل فيه السلطة التنفيذية إلا من خلال الرد بشفافية على اللجان البرلمانية المكلفة بالرقابة والتدقيق فبذلك يلعب البرلمان دوره الهام الذي لاغنى عنه في تصويب وترشيد عمل الحكومة ومكافحة الفساد. 

ثانيا محكمة الحسابات

 وهي هيئة عليا للرقابة على الممتلكات العمومية.
نشرت هذه الهيئة مجموعة من التقارير الهامة في مجال مكافحة الفساد، هذه التقارير أثبتت وجود فساد وهدر كبيرين للأموال العمومية.
الشيء الذي أثار حفيظة وسخط المواطنين على المسؤولين الذين بينت هذه التقارير فسادهم.
ليس المهم هنا التعرض للمسؤولين الفاسدين الذين ظهرت أسماؤهم في هذه التقارير بقدر ماهي دعوة لتمكين هذه الهيئة من القيام بعملها النبيل وتذليل كل الصعاب أمامها من السلطة التنفيذية من أجل عزل المفسدين وتقديمهم للعدالة. 

ثالثا المتفشية العامة للدولة 

تعتبر المتفشية العامة للدولة جهاز رقابيا مهم ومحوريا في محاربة الفساد وهذه الهيئة الرقابية الهامة تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة. 
تقوم هذه الهيئة كل سنة بإعداد برنامج واضح لضمان الشفافية يعرض على السلطات العليا في البلد . وتقوم المفتشية من خلال هذا البرنامج بالتحقيق والتحقق من خلال المؤسسات التي يستهدفها التحقيق وبعد ذلك يتم بعث لجان التفتيش للقيام بعملها. 
عمل هذه الهيئة الرقابية تدعمه الدولة بكافة إمكانياتها نظرا لأهمية العمل الذي تقوم به.
المفتشية بدورها ومن أجل قيامها بعملها بكل مهنية وتجرد عمدت على التركيز على تجارب بعض الهيئات المشابهة لأخذ الخبرة الازمة وإدماج تقنيات جديدة لكشف التلاعب والفساد. 
لقد قامت المفتشية بعقد شراكات هامة لعل من أبرزها  إتفاقية تعاون إداري وفني  مع مكتب مكافحة الاحتيال التابع للاتحاد الأوروبي وهذا النوع من الشركات من أجل تطوير تقنيات التفتيش والإستقصاء تدعمه الدولة وترحب به. 

رابعا أجهزة التدقيق الداخلى

الهدف من هذا النوع من التدقيق هو مساعدة المؤسسات في تحسين عملها تكريسا لمبدأ الشفافية في تسيير الممتلكات العمومية. 
لكن هذا العمل الرقابي الداخلي في القطاع العام يستوجب التهيئة والإرادة الازمتين لضمان إستقلاليته ويلعب فيه المدققين الداخليين الدور الأهم في المساءلة لمؤسساتهم في كل ما يتعلق بالفحص والموازنة. 

المحور الثالث دور الأجهزة المكلفة بالمتابعة والتحقيق في محاربة الفساد

القانون الموريتاني يلزم كافة الموظفين المكلفون بالمراقبة والتحري  إخبار النيابة العامة بكل ما يحصل لهم العلم به من تجاوزات يعاقبها القانون. 
وهذه الأجهزة هي على التوالي

أولا الشرطة القضائية 
التي تقوم بمهامها كما عرف ذلك قانون مكافحة الفساد عن طريق الحراسة النظرية، التفتيش، الحجز، التجميدوالمصادرة. 

ثانيا النيابة العامة وهي عبارة عن قطب من قضاة النيابة. 

ثالثا التحقيق  وهو عبارة عن قطب من قضاة التحقيق مهمته الحسم في كل ما يتعلق بالحبس الاحتياطي، الحجز وتجميد الأموال موضوع المتابعة. 

رابعا المحكمة وتعنى هذه المحكمة  بمحاكمة الضالعين في الجرائم المرتبطة بالفساد وكذلك الجرائم التي لا يمكن فصلها عنه 

المحور الرابع  الحلول المقترحة لمحاربة الفساد

في ما يلي سنقدم بعض الحلول لهذه الظاهرة الفتاكة والمشينة التي يعاني منها بلدنا:
1- محاسبة المفسدين حتى يكونو عبرة لمن يعتبر وذالك بتطبيق القانون بكل صرامة؛ 
2- مكافئة النزيه مكافئة محفزة وهنا نعني المبلغين عن حالات الفساد في الدوائر الحكومية مثل الرشوة والاختلاس وتبديد الأموال العمومية حتى نعمل سدا منيعا ضد الفساد أيا كان شكله؛ 
3- المعاملات الرقمية يجب العمل على تطوير هذا النوع من المعاملات بين المواطن والدولة لذلك نقترح تسجيل وتنظيم كافة المعاملات  بشكل يصعب أي عملية رشوة أو إختلاس؛ 
4-التحول الاقتصادي الغير نقدي 
يجب في هذا الإطار تداول وتحويل العملة بشكل رقمي  وهذه طريقة حديثة تمكن من إلغاء أي ربح شخصي  هذا النوع من الاجراءات يمكن من دفع المبالغ من دون أي زيادة أو غش حتى لاندع أي مجال الإثراء الغير مشروع؛ 
5 -مبدأ الشفافية وتوضيح مصادر الدخل والانفاق، مبدأ الشفافية هذا يلزم الحكومة أن تعلن عن الصفقات والعقود مع الشركات بالأرقام وسيمكن هذا العمل من إمكانية محاسبة المسؤولين عن أي عملية غش أو تزوير؛ 
6- مرتبات مرضية لابد في هذا الصدد تحسين الظروف المعيشية للمواطن حتى يتمكن من تأدية عمله في أحسن الظروف وبذلك تساعد الدولة الموظف في عدم اللجوء إلى القيام بأعمال غير مشروعة مثل الرشوة والاختلاس؛ 
7- دور الصحافة في محاربة الفساد وكشفه يجب على الصحافة لعب دورها كسلطة رابعة تسلط الضوء على كافة الممارسات السيئة في موضوع مكافحة الفساد وفضحه عن طريق الاستقصاء وتتبع عمل الادارة؛ 
8- دور المجتمع المدني في نشر التوعية بمخاطر الفساد لابد للمجتمع المدني لعب دوره في توضيح ضرر الفساد ونشر خطورته؛ 
9-توظيف الكفاءات الوطنية 
في هذا الصدد يجب التحقق عبر لجان متخصصة وتوضع معايير واضحة للتوظيف والتعيين وتحديدا الكفاءات الوطنية التي ستسند الحكومة في القيام على أمور الناس بعبارة أخرى العمل على وضع الموظف المناسب في المكان المناسب. 

المراجع
- الإتفاقية الأممية للشفافية ومكافحة الفساد الصادرة في يوم 25من اكتوبر 2006
- دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية الصادر بتاريخ 21 يوليو 1991 والمراجع سنوات 2006, 
2012 و 2017;
-القانون 2016-014 المتعلق بمكافحة الجرائم المرتبطة بالفساد الصادر بتاريخ 15 ابريل 2016؛ 
-:الأمر القانوني رقم 162-83 بتاريخ 9يوليو 1983   المتضمن القانون الجنائي الموريتاني
- الإجراءات الجنائيةالموريتانية 
-الموقع الرسمي لمحكمة الحسابات

جمعة, 23/09/2022 - 10:24