أكبر مصائب الأمة في نظر الكواكبي هو الاستبداد، ويرى أنه إذا كان الشيطان هو مخترع الاستبداد "فقد انتقم من آدم في أولاده أعظم ما يمكنه أن ينتقم". إن عزيز، مستبد الأمة الموريتانية الأعظم، أمضى كل وقته في بناء ثروته الشخصية بدل الاهتمام بالمصلحة العامة؛ ورغم كل وعوده، فإنه كرس حكمه لبناء ثروته الشخصية وتمكن من وضع يديه على الاقتصاد الموريتاني وزرع بذور الانقياد والإذلال والطاعة العمياء دون محاسبة أو رقابة. وتحت حكمه عانى عوام الشعب المظلوم من التواكل والجهل وفقد الهمم وانشغل بحياتهم البهيمية البدائية والتي صارت بعيدة كل البعد عن الحرية الفكرية والأخلاقية.
يقول الكواكبي في كتابه حول طبائع الاستبداد إن الحاكم الظالم يمقت أهل العلم والشرفاء، لأنهم يذكرونه بضعفه وجهله، فهو يحاول أن يقصيهم ويتلاعب بهم ليسَبّحوا بحمده. يعيش المستبد في كرب وخوف وارتياب على الدوام، فهو من جهة يخاف شعبه إذا ثارت ثائرتهم وانتفضوا ضد حكمه وسطوته عليهم، ويخاف أعوانه وبطانته إذا هم تبينوا عدم جدواه في الحكم وقرروا إزالته من منصبه، كما فعل غزواني مع عزيز.
إن الدين بالنسبة للمستبد هو الوسيلة الأعظم لفرض سطوته وحكمه على الشعب. استغل المستبد عزيز ديننا الحنيف وبعض رجاله لفرض سطوته وحكمه على الشعب الموريتاني، فأمر بطباعة مصحف شنقيط برواية الإمام ورش عن نافع، وبناء مسجد وطني يتسع لحوالي 15 ألف مصل، واكتتب الأئمة وأنشأ اذاعة للقرآن الكريم... ولكن الشرفاء من علماء الدين رفضوا الخضوع لإرادته وفضلوا السجن على العيش أذلاء لنظام ظالم مستبد.
وضع الكواكبي ثلاث قواعد لرفع الاستبداد:
1 - الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية؛
2 - الاستبداد لا يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللين والتدرج؛
3 - يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد.
فهل كان الرجل يتحدث عن العالم العربي في نهايات القرن التاسع عشر أم عنا في ظل حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟ اكتشف السيد محمد ولد الشيخ الغزواني حقيقة نظام عزيز وقرر عن علم وبصيرة مجابهته، حتى أجبره على التنحي وانتخب هو رئيساً وصار خادماً للشعب ولمصالحه وقائدا محترما، جديرا بحكمه.