مرت علي ذكرى 10 يوليو خارج التغطية, ومن السهل الخروج عنها! كما مرت على معظم الناس دون تعليق ولااكتراث. ولكن ذلك في الظاهر فقط, أما في الواقع فأجد لها وخزا موجعا وأثرا هائلا...
احتفينا بانقلاب 10 يوليو 1978 ظنا أنه سيخلصنا من نظام فرانكفوني وحزب واحد مهيمن غارق في كل صغيرة وكبيرة, وصدقنا وعود الحرية والديمقراطية والإصلاح... ونعيم السلام...
لكن المخلصين كانوا النار التي يستجار بها من الرمضاء, فلم يغيروا سوى كيان الدولة الذي أحلوا فيه كياناتهم الشخصية والقبلية...
كان نظام المختار - على علاته - نظام دولة صارم, لا مجال فيه للتسيب و"الگژرة", ماركة أنظمة الفساد العسكرية "المتمدنة", وما تعنيه من الفوضى وموت الدولة واغتيال القانون والنظام...
كان المواطنون كالمحرومين من الوظائف والوثائق والمدارس... لأنها كلها خاضعة لأنظمة إدارية محترمة وقواعد تنظيمية صارمة...
ولكنها في دولة واعدة, نثق بها ونشعر أنها مع ذلك تظلنا وترعانا بقدر ما تستطيع; سواسية فيما توفر وفيما تمنع... قائمة بمسؤوليتها في توفير ما تستطيع من تيسير المعيشة (دعم الأسعار ومراقبتها) ومجانية التعليم والتطبيب...
انقلب كل شيء وأقيلت الدولة وأكلت وعرّق عظمها... وبقي التمايز والتغابن في ريعها سمة يضمنها استشراء الفساد وانتشار الزبونية والقبلية...
وهكذا لم يتحقق من مواعيد الانقلابيين الأوائل وتابعيهم بغير أحسان إلا اضدادها!
ولهذا وبسبب الشعور بعدم الشرعية ومنادمة الفشل, لم تجد الأنظمة الانقلابية حتى اليوم تسويغا غير التهجم على نظام المختار ولد داداه, الذي أسس هذا الكيان من بين فرثِ فوضى العصبيات القبلية ودمِ السيبة والحروب والاغتيالات العائلية...
فتعاقبت على التقليل من شأنه وتجاهل دوره كل تلك الأنظمة التي أطلقت العنان لشانئيه وشحذت بالعطايا والمناصب ألسنة السوء وأقلام البهتان على نظامه وحتى شخصه... وكأنه هو من انقلب على نظام الدولة الموريتانية الديمقراطية الصالحة وعاث فيها فسادا وديكتاتورية...!!
وعلى هذا أنشأت أنظمة الانقلابات العسكرية أجيالا, توهمها بأن فشلها هو النجاح وفسادها هو الصلاح وخيبتها هي الفلاح... حتى صدق معظمها أبواق كذبه وظن بأنه فعلا هو الحاكم المثالي الذي لم يسبق له نظير ولا يرجى بعده أمير...
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم!