صدر أمس في لندن، تقرير عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR، يدق ناقوس الخطر حول "تزايد احتمال اندلاع مواجهة مسلحة بين المغرب والجزائر بعد تصاعد التوتر مؤخرًا بين البلدين الجارين على خلفية التصعيد في النزاع حول وضع الصحراء الغربية". ويبدو بأن المغرب قد أصبح يشعر أكثر بأن مطالبته بالسيادة على الإقليم المتنازع عليه باتت تحظى بدعم دولي متزايد خاصة بعد تحول موقف الحكومة الإسبانية مؤخرا من قضية الصحراء الغربية. وهو ما دفع الجزائر إلى استدعاء سفيرها في مدريد للتشاور، والتلويح بمراجعة سعر الغاز الذي تصدره إلى إسبانيا، رغم أنه لم يتضح بعد إلى أي مدى قد ينتج عن ذلك قطيعة في العلاقات بين البلدين.
ينطلق هذا التقرير الذي يقع في 17 صفحة- وهو من إعداد الباحث الأمريكي أنطوني دوركين، الذي حرره لحساب برنامج أبحاث حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تابع لمؤسسة ECFR التي تعد أكبر مركز للأبحاث الإستراتيجية في عموم أوروبا، تم أطلاقه سنة 2007- من فرضية أن أي تدهور إضافي في العلاقات بين الجزائر والمغرب يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على أوروبا. ومن المرجح أن يؤدي إلى زيادة حادة في الهجرة نحو بلدان الإتحاد الأوروبي خاصة إسبانيا. إضافة إلى سلسلة أخرى من التأثيرات السلبية قد تزعزع بشدة الإستقرار الهش في أنحاء منطقتي المغرب الكبير والساحل، مما سيقوض آمال أوروبا في تحقيق تنمية إقتصادية في منطقة شمال أفريقيا التي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في التحول الأخضر لأوروبا، من بين عدة مصالح أوروبية أخرى. كما أن مثل ذلك النزاع المسلح يمكن أن يوفر أيضًا مساحة حيوية للجماعات المتطرفة لتحقيق مكاسب على الأرض بما يحمله ذلك من تهديدات جدية على الأمن الإنساني في منطقة الإتحاد الأوروبي.
ويتطرق التقرير إلى استقراء المستجدات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالموضوع على ضوء العلاقات المهمة بين كل من المغرب وإسرائيل حيث شعرت الجزائربأن التقارب المغربي مع إسرائيل يشكل تهديدا مباشرا لها، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للمغرب، وتصريحاته منتقدا دور الجزائر في المنطقة ومعربا عن قلقه من علاقاتها مع إيران. وكذلك الأمر من جهة أخرى بالنسبة لطبيعة العلاقات بين الجزائر وروسيا، خاصة بعد نشوب الحرب الروسية -الأوكرانية وتداعياتها المختلفة بما في ذلك ارتفاع خطر وقوع مواجهة نووية بين روسيا وحلف الناتو، وتفجر أزمات الطاقة والغذاء على نطاق عالمي واسع.
ويعرج التقرير على تحليل أهمية مصالح كل من المغرب والجزائر في أوروبا، والفرص المتاحة للإتحاد الأوروبي للسعي من أجل تقليل التوتر بين البلدين الجارين، وتقليل مخاطر عدم الإستقرار وتزايد تدفقات الهجرة عبرالمتوسطى.
ويخلص التقرير إلى تقديم نصيحة لصناع القرار الأوروبيين الذين "يتوجب عليهم إقامة علاقة أكثر توازناً مع المغرب لا تنفر الجزائر، بل تؤكد ترسيخ انخراط أوروبا أكثر مع الجزائر لأن من مصلحة أوروبا تطوير علاقاتها معها لتجنب الإعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة من روسيا. وسيكون الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه في أفضل وضع للقيام بذلك إذا لم يسايروا موقف المغرب بشأن الصحراء الغربية«.
كما يوصي التقرير الدول الأوروبية بضرورة "تجنب أي تحركات أخرى قد يبدو أنها تنحاز إلى أي جانب في النزاع، مما قد يؤدي إلى مزيد من الإخلال بتوازن القوة بين المغرب والجزائر بطريقة مزعزعة للإستقرار في المنطقة وجوارها. وفي الوقت نفسه، يجب- بحسب التقرير- على الإتحاد الأوروبي محاولة إقناع الجزائر بالعودة إلى الصيغة الرباعية للمحادثات حول الصحراء الغربية، كجزء من الجهود لدعم حملة مبعوث الأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات".
ويلاحظ التقرير "بأنه لا توجد آفاق فورية لإجراء محادثات ثنائية تهدف إلى نزع فتيل الأزمة بين المغرب والجزائر، ومن غير المرجح أن يقبل أي من الجانبين وساطة من الدول الأوروبية؛ لكن يمكن أن يلعب الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه دورًا في الحد من التوترات إذا كان بإمكانهم المساعدة في تبني نهج أكثر تحفظًا على كلا الجانبين».
ومن أجل القيام بهذا الدور، يعتقد محرر التقرير بأن "الأوروبيين يحتاجون إلى رؤية علاقاتهم مع كلا البلدين في سياق إقليمي، وتجنب أي إجراءات أخرى يمكن أن تغذي الإصرار المغربي وتقود الجزائر للشعور بأن أوروبا قد انحازت إلى جانب ضدها». وبحسب التقرير فإن »هذا النهج لن يترك أوروبا في وضع أفضل لنزع فتيل التوترات الإقليمية فحسب، بل سيوفر أيضًا أساسا متينا لترميم علاقاتها الثنائية مع المغرب والجزائر في السنوات المقبلة».
وعلى الرغم من بروز هذه الاتجاهات في التحليل، يستدرك التقرير محذرا من أنه "سيكون من الخطأ رؤية ديناميكية حتمية لزيادة التوترات بين الجزائر والمغرب، أو أن تلك التوترات تتغذى بشكل أساسي أو حصري من طبيعة علاقات كل من البلدين بروسيا أو بإسرائيل».
وهكذا يبرز التقرير أن مواقف السياسة الجزائرية تستمد أصولها البعيدة من ارتباط هذا البلد الطويل الأمد بمبدأ السيادة وتقاليد مقاومة أي التزامات يمكن أن تقيد حريته في حقل العلاقات الدولية. ويعطي التقرير أمثلة على نجاح الجزائر في الحد من التأثير الروسي على استقلالية قرارها، حيث "رفضت الجزائر سلسلة من الطلبات الروسية للحصول على إذن لبناء قاعدة بحرية في مدينة وهران الساحلية. كما حرصت على تنويع مشترياتها من الأسلحة من ألمانيا وإيطاليا. كما أن الجزائر قد تحوطت في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث امتنعت عن التصويت بدلاً من دعم روسيا. وبالمقابل، فقد تجنب المغرب بدوره التصويت كليا، ومن الواضح بأنه بذلك كان يأمل ألا ينفر أي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي قد يحتاج إلى دعمه من موضوع الصحراء الغربية. ولعل في هذا ما يعني بأن مواقف الخصمين لم تكن مختلفة بشكل ملحوظ على الأقل في أسلوب تدبيرهما للتعامل مع القوى العظمى في المنتظم الدولي.
---------------------------------
يمكن الإطلاع على نص التقرير بالإنجليزية على الرابط