ربما ليس من المبالغة لو قلنا إن أحمد ولد محمد صالح، الذي أُعلن عن وفاته اليوم، كان الرجل الثاني في نظام الحكم المدني برئاسة الراحل المختار ولد داداه، حتى خلال الفترة التي جرى فيها إبعاده جزئياً مع المرحوم محمد ولد الشيخ، إذ شكَّلا رأسي تيارين متعارضين بشدة داخل الحكومة (يساري ويميني) فيما يخص إدارة أزمة 1966 والصدامات العرقية التي شهدتها، إذ ظل قريباً من المختار وفياً له إلى أبعد حد، كما ظل موضع ثقة واحترام كبيرين من المختار نفسه، ولهذا يتحدث عنه في مواضع عديدة من مذكراته، «موريتانيا على درب التحديات»، بتقدير كبير للغاية. وقد تقلّب أحمد ولد محمد صالح بين عدة وظائف في الحكومة و«حزب الشعب»، من مدير ديوان الرئيس إلى وزير الداخلية.
ولمكانته عند المختار، إذ كان بمثابة صندوقه الأسود، فقد جاء في ردود جبهة البوليساريو على عروض الصلح والتفاوض التي بعثتها إليها الحكومة الموريتانية عدة مرات، من بين شروط تعجيزية أخرى، أن تتسلم الجبهة أحمد ولد محمد صالح كرهينة لديها في مخيمات تيندوف طوال فترة التفاوض!
وفي موضوع ذي صلة بالبوليزاريو أيضاً، ويعكس النظرة الثاقبة للراحل أحمد ولد محمد صالح، يذكر محمد الحسن ولد ابات أنه حين كان طالباً في الثانوية الوطنية بنواكشوط جاء مبعوث من وزارة الداخلية إلى الثانوية يسأل عنه (أي عن محمد الحسن نفسه)، يقول: فذهلت، وسألت: ما الخطب؟ فقال: وزير الداخلية أحمد ولد محمد صالح يطلبك. ويقول: جئته في مكتبه فاستقبلني مرحِّباً، وقال: الرئيس طرح فكرةَ إرسال شخصية من شباب اليسار إلى البوليساريو للتفاوض معهم، فاقترحتُ اسمك، فكلفني بمقابلتك ومناقشتك حول هذه المهمة بكل ما لها من خطوط عريضة وما تحتها من تفاصيل دقيقة. وبهذا الاختيار يتضح أن أحمد ولد محمد صالح قد اكتشف على نحو مبكر جداً المواهبَ التفاوضية لمحمد الحسن ولد لبات وقدرته الكبيرة كوسيط سلام لإنهاء الأزمات.
رحم الله تعالى رجل الدولة، وأحد رواد التأسيس، أحمد ولد محمد صالح، وتغمده بنعيم الجنة