تبدو الصورة النمطية في ذهن المواطن العادي عن البرلمانيين أقرب إلى "ألبومات" الخمسينيات من القرن الماضي، فمعظم الحكايات التي تُنسج حول تاريخهم وواقعهم لا تدعوا للتفاؤل، فهناك مسلمة تقول: إذا أردت أن تبحث عن برلماني فعليك الذهاب لمكاتب الوزراء وقاعات الانتظار الخاصة بمديري الشركات الكبرى.
أصبح البرلمان عنواناً للمأساة، فتدشين مقرٍ جديد له على أكبر شارع في نواكشوط يوحي بأن السلطةالحاكمة مازالت مُصرةً على قوننة المعانات وطحن شعب يفترسه ثالوث الوباء، والغلاء، والنواب، الذين صاروا نائبةَ تُضاف لنوائب هذا الزمن الصعب، لتُضاعف آلام الضعفاء الذين لم ينصفهم أي شيء على أديم هذه الأرض.
رفض النواب الموقرون مقترحاً بزيادة رواتب المدرسين والشرطة والحرس ورجال الإطفاء، والواضح أن جلساتهم للتصويت على مشاريع القوانين وعلى كل مقترحات تحسين رواتب الموظفين، ليست سوى مسرحية لتوزيع الأدوار، فالأعضاء 15 الذين صوتوا على زيادات صغار الموظفين وإعانة المواطنين في أوقات الأزمات، أبانت عن كونهم مجرد مشرعين لمهزلة غير قابلة للتصنيف.
الغريب في الأمر أن ثمة من صوت بالحياد، ما يجعلنا نجزم بأن هناك محاولة أقرب لأساليب "الباندا" لتمثيل عمل البرلمانات في الدول الديمقراطية، التي عادة تنقسم بين مؤيد ومعارض ومحايد، لكن هذا النوع من الإخراج السيء يحدث فقط حين يتعلق الأمر بمصالح المواطن، وخاصة الفئات التي يُمارس عليها ما يمكننا تسميته بالاسترقاق الوظيفي، على عكس زيادة رواتب النواب المحترمين التي يتم التصويت عليها بالإجماع وبدون حياد، وقد وصل بهم الأمر بحسب الرئيس السابق حد ابتزاز الدولة من أجل زيادة رواتبهم.
لم يكتف من يُمنحون الامتيازات تحت يافطة ممثلي الشعب بتصويتهم ضد مصالحه في قاعات مكيفة، بل وقفوا في وجه إيصال أصوات من انتخبوهم بشكل مباشر للمسؤولين المعنيين، فحين يزور الرئيس أو أحد وزرائه منطقة ما، يقف ممثلوها في البرلمان بهدف مصادرة كل الآراء التي تخالف وجهة نظرهم، من خلال اختيار الكلمات ومن سيلقيها وحتى نوعية الحضور للحفل المنظم بتلك المناسبة.
البرلمانيون بطبعهم غير مكترثين لسفونية النقد التي لا يمكن أن تُغير الأمر الواقع بالنسبة لهم، ففي قواميسهم لا توجد كلمة إنصاف، لأن المسألة في نظرهم عبارة عن مقايضة دفعوا ثمنها مسبقاً، وعلى كل من يتحجج بالدفاع عن مصالح المواطن أن يتذكر أنه هو من باع صوته لأناس من حقهم أن يحتكرواالامتيازات لأسرهم ومحيطهم الضيق.
منذ العام 2008 لم نسمع برلمانياً يتحدث عن التحديات الحقيقية التي تواجه الجهة التي انتخبته لا على مستوى البنى التحية في شتى القطاعات الحيوية، ولا عن التخلف والفقر ... لكنهم دافعوا كثيراً عن الرئيس السابق وطالبوه بأن يُحوِّل موريتانيا لملكية مطلقة، المثير للسخرية أنهم بالحدة ذاتها وبالحماس نفسه لم يجدوا غضاضة في السير عكس ما سموه بالأمس بمبادئهم وقناعاتهم الراسخة في الدفاع عن أيقونة الحرب على الفساد والمفسدين.
قبل أسابيع حدثونا عن الإنصاف في مهرجان حاشد، لنكتشف بعد أيام قليلة أنه يعني تفكيك كل البُنى الحيوية القائمة عليها الدولة، وترسيخ التفقير والتفاوت الطبقي... من المؤسف أن من سموا أنفسهم بممثلي هذا الشعب أتوا من كوكب آخر له معانيه ومفاهيمه الخاصة، فالإنصاف صار بحكم الواقع إقصاءً، وتحسين الظروف يعني تغييرها من السيء إلى الأسوأ، نوابنا الموقرون بمعارضتهم وموالاتهم بحاجة لدورات عديدة ومكثفة في المواطنة والسهر على مصالح العباد والبلاد، حينها يمكننا الحديث عن محاولة غير واضحة المعالم لإقناعهم بأنهم سيخسرون معركتهم ضد الإنصاف، لأن منطق الشعوب لا يقبل بعدمه.
د. أمم ولد عبد الله