بين ثنائية شح الموارد والخوف المزمن من المجاعة تشكل وعي ساكنة هذا البلد؛ وكان لتلك الثنائية دورها الفعال في تفسير كل الظواهر داخل حيزهم الجغرافي.
فمعظم من يصنعون الشائعات اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي لايسعون لمعرفة الحقائق؛ بقدر ما يبحثون عن إثارة الرأي العام تلبيةً لميول متجذر في اللاشعور يستجيب بسرعة لتصديق الأقاويل المرجفة الغارقة بطبعها في سب الأشخاص؛ أوتلك التي تُنذر بحدوث أزمات وشيكة؛ معتمدين في ذلك على النهج الذي وصف الروائي البرازيلي (باولو كويلو) أصحابه بأنهم "يستخدمون الشتائم عندما لا تكون لديهم حجج"..
بالمنطق ذاته تعامل رواد العالم الافتراضي مع حادثة خطفت الأضواء في حفل وضع الحجر الأساس لجسر روصو ؛ يتعلق الأمر هنا بما يمكننا تسميته "بالبذخ في زمن العسر" بناء على الضجة التي أحدثها على وسائل التو اصل الاجتماعي.
فالرأي العام مشغول بالحديث عن عشرين مليون أوقية قيل إن إحدى الوزيرات دفعتها لراقصة سينغالية من أجل إنعاش الحفل الذي حضره الرئيسان الموريتاني والسنغالي.
وبغض النظر عن صدق تلك الشائعة من عدمه؛ فإن الطريقة التي تم تداولها بها توحي بأن ثمة من يسعى لتسويقها على أنها ليست سوى مظهر من مظاهر التنكر لواقع مواطنين تعيش غالبيتهم العظمى تحت خط الفقر.
هذا الأسلوب هو في الحقيقة جزء من إستراتيجة صناعة الأزمات التي لم تعد بين القبيلة وجيرانيها كما كانت في السابق؛ حيث كان التصور -ومازال- مبنيا على أن الغنى لايكون إلا من تراكم ريع العنف المستخدم بطرق غير شرعية ضد فئات بعينها.
لقد تحكم التصور ذاته في العلاقة بين المواطن البسيط والموظف السامي بصفته محتكرا لعنف الدولة لتحقيق ثروات طائلة فحسب؛ فهو بهذا المطنق صار العدو الرئيسي لكل الفئات الهشة بحسب ما يسوق له هؤلاء.
ليس من الغريب في ظل هذا التراكم المفاهمي المعقد أن يلجأكثيرون للشائعات سبيلا للتعبير عن ذلك "العقل الباطني" الذي يفكر بأساايب القرون الوسطى مستخدماً أحدث الو سائل التقنية لذلك.
والحق أن تبذير المال سواءً كان عاماً أوخاصاً في هذا الظرف العالمي الصعب من قبل وزراء يُعد تحريضاً لفئات عريضة يعجز أرباب الأسر فيها عن توفير قوتهم اليومي.
إن أصحاب القرار مطالبون أكثر من أي وقت مضى بوضع حد لمظاهر البذخ في المناسبات السياسية وغيرها؛ فاستفزاز مشاعر ملايين الفقراء في مجتمع يحكمه منطق قائم على عداوة الفوارق ؛ هو في واقع الأمر جزء من صناعة توتر بات بحكم الظروف الصعبة مهددا حقيقيا للسلم الأهلي في البلد.
هذا الواقع الذي تدفعه كل الو سائل المتاحة وغير المتاحة للتأ زيم يحتم على الدولة الموريتانية أن تضع ضوابط تحكم تصرفات المسؤولين وتضع حدا لظاهرة تبديد الأموال سدا لأبواب التحريض وتقديرا للظروف الصعبة التي يعيشها السكان بسبب جائحة كوفيد 19 ،
ولا أعتقد أنه من باب المروءة استعراض الجيوب المليئة أمام جماهير معظمها لم يعد يرى للجيوب أهمية في تصميم ملابسه الجديدة؛ أما البقية فقد ضلت يدها طريقها إليها بحكم عوامل النسيان والتقادم ؛ لذلك ستكون الطبقة الميسورة مخطئة حين ترى أن الحفاظ على مكانتها مربوط ببعض مظاهر البذخ في حفلات استعراضية في زمن العُسر.
د.أمم ولد عبد الله