إن أبناء الأقليات اللغوية ضحية مزدوجة للتعليم بالفرنسية, فهم كأبناء المجتمع الحساني تكبح الفرنسية التعليم عندهم, وتعيق تطور أدائهم الذهني, وتزيد التسرب المدرسي, بوقوفها حاجزا بينهم والعلم من خلال آلية المخنقة اللغوية التي فصلت في الجزء الأول من المقال “لغة التدريس.. ورقة للمشاورات التربوية” الذي تجدونه على الرابط أسفله, ولكنها زيادة على ذلك تخصهم بجعلهم يعتقدون أن بإمكانهم الاستغناء عن معرفة العربية, فتمر الطفولة ومراحل التعليم الثانوي والجامعي دون إعطائها العناية الكافية لاكتسابها اكتسابا جيدا, وهو ما سيحول بينهم وبين ممارسة المهن الليبرالية في مراحل لاحقة من حياتهم لأن من لا يعرف العربية - أو نسختها العامية الحسانية - لا يستطيع أن ينجح في ممارسة المهن الليبرالية في بلد تعداد سكانه لا يصل إلى خمسة ملايين لا يتكلم كثير منهم غير العربية, وقد جرب كثير من أبناء الأقليات اللغوية ذلك ليكتشف أنه بصدوده عن العربية خلال مراحل حياته السابقة, أغلق على نفسه باب الكسب من مهنة يجيدها لأنه قطع على نفسه باب التواصل مع الغالبية العظمى من الزبائن في سوق ضيقة بطبيعتها.
الخديعة أن نقول لأبناء الأقليات اللغوية بدافع الانتهازية السياسية أو التعاطف أو إطنابا في اليسارية التقدمية أو الإسلامية إننا احتراما لهويتكم وخصوصيتكم الثقافية سنهيئ لكم الظروف التي ستحرمكم من إتقان اللغة الوحيدة التي ستمكنكم من العيش في بلدكم من المهنة التي أمضيتم عمركم في اكتسابها. الخديعة أن يدفعنا الانطواء الثقافي وبداءة الرأي إلى أن نحمل أبناءنا على خيارات ضد مصالحهم وتجلب الضرر عليهم وعلى المجموعة البشرية التي ينتمون إليها, لأنها تهيئ ظروف عزلتهم وفقرهم وتدفع كثيرا منهم إلى الاستقرار في الخارج لأن عدم إتقانه للغة العربية يجعل حظوظه في النجاح في المهن الليبرالية ضعيفة والوظيفة العمومية لا يمكن أن تستوعب الجميع. الخديعة أن ندفع مؤمنا إلى العزوف عن إتقان المطية الوحيدة إلى أحسن الحديث, إن كل مسلمي العالم يتمنون أن يجدوا جيرانا يذللون لهم مطية أحسن الحديث, فكيف تدفع الانطوائية وبداءة الرأي من يدعون تمثيل الأقليات اللغوية إلى أن يحملوا أبناءهم على الصدود عنها. بداءة الرأي أن ندفع أبناءنا بشحنهم بكراهية لغة شركائهم في الوطن إلى أن يجدوا أنفسهم في الوضعية التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها محرجة التي وجد أحد الوزراء فيها نفسه عاجزا عن التعبير بأي من لغات الوطن أمام منتخبيه.
من الخطأ أن نمنع أبناء الأقليات اللغوية الفرص التي لن يصلوا إليها دون إتقان العربية مجاملة لمجموعة قليلة ,ممن اختاروا ضيق أحادية الأفق الثقافي على ثراء تعدد الروافد الثقافية, تدعي تمثيل الأقليات تجوب الإدارات وتتعاقب على المناصب وهم كأمثالهم من أبناء المجتمع الحساني يعيشون على دماء مجتمعاتهم بإبقائهم في عزلة الفقر والجهل والتعصب العرقي والثقافي وهم آخر من يرعى مصلحة أبناء مجتمعاتهم. وقد بلغ الاستهتار بأحدهم أن استأثر لنفسه وأسرته الضيقة براتبين من البرلمان من حصاد الكراهية وكأن أبناء المجتمع البولاري العظيم الذين حملوا هدي الله, الدين ولغته, تنگادة على رؤوسهم تنير إنحاء القارة من هاماتهم الرفيعة لا يستحق منهم تمثيله غيره وأهله. وهاهو يطل اليوم من نافذة الكراهية كعادته في محاولة لتجديد زعامة نفر المجتمع البولاري منها -ونتائج الانتخابات المتلاحقة على ذلك شهيد- بعد أن أدرك أنه سلمها لا تاجها. إن من يعتقد أن المجتمع الحساني بأعراقه المختلفة أقرب إلى العربية من المجتمع البولاري يخطئ قراءة التاريخ ومسار التحولات.
علينا أن نعطي أبناء الأقليات اللغوية فرصتهم كاملة في إتقان العربية لأنها مطيتهم إلى كثير من الفرص في هذا المجتمع ولأنها بإجماع المؤمنين أجزل الهدايا. علينا أن نحمي أبناء الأقليات اللغوية من بداءة رأي بعض من يتحدثون باسمهم, ومن الملائكية الساذجة التي تشل تفكير كثير من متطرفة اليساريْن التقدمي والإسلامي والتي تُغشي العقل بفيض المشاعر.
وفق الله وأعان
د. م. شماد ولد مليل نافع
----------------------
* هذا المقال هو الجزء الثالث - معدل - من ورقة طويلة تحاول معالجة مختلف جوانب إشكالية لغة تدريس المواد العلمية نشرت تحت عنوان “لغة التدريس.. ورقة للمشاورات التربوية” تجدونها كاملة على هذا الرابط
http://aqlame.com/node/6222