كان أحمد ولد بوسيف أكثر الضباط العسكريين من جيله مهنيةً وأعمقَهم وعياً وأكثرهم إيماناً بمشروع الدولة الموريتانية وأشدهم حرصاً على الوحدة الوطنية ومشتركاتها الجامعة.
وخلال التحضير لانقلاب 10 يوليو دعاه أحد أعضاء الجناح المدني للانقلاب للمشاركة فيه، فرفض قائلا: «إنك تدعوني للخيانة». لكن أخلاقه منعته من «الوشاية» بمدبري «الخيانة». وبعد الانقلاب رفض ولد بوسيف عضوية اللجنة العسكرية رغم دخوله الحكومة كوزير للصيد. وفي خضم الصراعات والمكايدات المتبادلة داخل اللجنة، وقف بوسيف بقوة ضد الضباط الأشد نزقاً والأقل مسؤوليةً، والذين رأى أنهم يغامرون بمصير الوطن لصالح أجندات شخصية ضيقة تفتقر للعقلانية والرشد، كما عارض الضباط المترددين وأصحاب المواقف الرمادية، مقتنعاً بأن المرتبكين لا يصلحون لإدارة الدول لاسيما في أوقات الأزمات وعند مفترقات الطرق.
واتضح منذ مطلع عام 1979، وفي خضم التخبط وانعدام الرؤية اللذين ميزا نظام الحكم الجديد، أن مواقف المقدم أحمد ولد بوسيف كانت تنطلق من أربع محددات: ضرورة عودة العسكريين إلى ثكناتهم نهائياً وفي أقرب وقت، حتمية العودة إلى نظام الحكم المدني، الإفراج الفوري عن المختار دون أي شرط (مع منحه دوراً سياسياً معتبراً إن رغب في ذلك)، الإبقاء على التحالف مع المغرب والمصالحة مع الجزائر دون التفريط في الأرض.
لكن ماذا كان ليجري لو أن حادث 28 مايو الجوي قبالة ساحل العاصمة السنغالية دكار لم يقع ومدَّ القدَر في عُمْر ولد بوسيف وأخّر أجله؟
يجزم عديدون بأن ولد بوسيف ما كان ليظل في الحكم شهراً واحداً بعد عودته من دكار، ومنهم أحمدو ولد عبدالله، وزير الخارجية أوانها، والذي يقول: «الأكيد أنه سيعزل من منصبه لأن الصراع داخل الجيش بلغ أوجه». وكذلك «فيليب مارشيزين» الذي يجزم قائلا إنه في يوم 28 مايو حين سافر ولد بوسيف «كانت غالبية اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني معارضةً له».
فهل كان سبب تكالب الضباط ضد ولد بوسيف تفكيره المختلف وإيمانه القوي بالدولة الوطنية المدنية حيث يعمل كلٌ من موقعه المهني الخاص؟