كتبت منذ ٤ سنوات عدة مقالات عن واقع التعليم العالي في الوطن، وسياسات الوزارة فيه، ولم أكن متحاملا -في حيز ما أرى-، ولا متغاض، وذاك ما لا ينبغي.
فتحدثت عن أسلوب المدير الفرد الذي تم تبنيه، وعن مشاكلَ كبرى انجرت عنه. وكان آخر ما كتبت مقالا بعنوان: " بين حانة ومانة ضاعت لُحانا"؛ يترق لأزمة الذاتية في اتخاذ القرارات داخل الوزارة، ومعاناة الوطن والمجتمع من تلك القرارات غير المراعية للواقع.
غير أنه -في المحصلة- إن كانت السياسة السابقة للقطاع؛ أخطأت في قرارات معينة وفي تبني رؤى منغلقة؛ جلبت عليها الكثير من الأزمات، واضطرت كثيرين لتبيين ذلك وتوضيح مكامن الخلل فيه سعيا لوجود أذن صاغيةٍ من يدير القطاعَ صاغٍ لها؛ فتنبهه، أو يكون أقل قليل الأمر أنْ كان التنبيه معذرة إلى الوطن والتاريخ؛ فإن معالي الوزير السابق -إنصافا- أصابَ أحيانا وخدم الوطن بوقته وفكره وجهده، فاستحق التقدير والاحترام على ما قدم، رغم النقاط الكثيرة الملاحظة والأزمات المتشعبة التي عاشها القطاع بسبب سياساته الأحادية في التسيير.
صحيح أن السياسة لعبة لا تعترف بمبدأ "المجتهد مصيب" لكن الحقيقة الواقعية والمهنية في التقييم؛ تفرضان احترام المبدأ، وتنصفان صاحبه، أحيانا، إذِ العمل في ظل ظروف صعبة وواقع معقد وتحت الضغط؛ يقبل من صاحب الاجتهاد فيه العذر إذا صحح مساره عند النصح، أو صُحح الوضع بتولية من تُرى فيه القدرة على أداء أفضل.
وهذا الاعتراف بجوانب حسنة في مسار طويل لا يعني صحة المسار كلا بالضرورة، أو بأن الأداء كان مثاليا، فقد كان بالإمكان أفضل مما كان، لكن حسب المجتهد -بعد السعي في تصحيح أخطائه- أنْ حدد مسارا معيناً وعمل على السير فيه خدمة للوطن وكانت بعض الحسنات في ذلك المسار تحت ركام كثير من الأخطاء.
فتمت خلال هذه المرحلة ملاحظة تحسين في الحكامة الإدارية بالوزارة والمؤسسات التابعة لها، وتحسن الواقع التسييري بتلك المؤسسات، كما اتسمت العملية الأدائية للموظفين بالجدية والصرامة في الأداء، وهي أمور جد مهمة للقطاع ومن المهم أن يبنى عليها مستقبلا وتعزز.
ويحسب كذلك للسياسة الوزارية السابقة في القطاع؛ مسعاها في تحسين الواقع التعليمي والتربوي، من نواح عديدة، وإن كان ذلك المسعى حدت من أثره الذاتية في اتخاذ القرار والتعاطي مع الشركاء، والتعسفية في التنفيذ.
ولعل الإخفاقات الملاحظة على المرحلة السابقة تعيها الإرادة الجديدة، فتسعى للمضي قدما نحو هدف إصلاح القطاع، دون تجاهل للمرحلة التي قطعت إيجابا نحو تحقيق الهدف، واضعة في الحسبان ضرورة مراجعة كثير من حيثيات السياسة الوطنية في القطاع.
ولعل أبرز المناحي مُحتاجة المراجعة ومُلحتها تلك التي ترد أدناه:
-علاقة الوزارة بشركائها في القطاع
-واقع التعليم العالي الوطني: بيتاغوجيا، وخدميا، وأكاديميا..
-النظام التدريسي المتبع من حيث الفاعلية وقابلية استمرار الاعتماد؛
-مدى احترام النصوص القانونية المنظمة للقطاع على مستوى الوزارة وكذا الهيئات والمؤسسات التابعة لها، والسعي في تطبيق تلك النصوص على كل المناحي وفي كل المؤسسات، ضمانا للشفافية في الأداء والتشاركية في التسيير؛
-قانون التعليم العالي الوطني بحيث يراجع ليضمن إعادة دمقرطة القطاع.