رغم أن العالم العربي والإسلامي كان سباقا لإنتاج المعارف من خلال حركة الوراقين في نشر المخطوط العربي الإسلامي، حيث يوثق فهرس ابن النديم وجود 8500 كتاب تم إنتاجها خلال القرون الأربعة الأولى للهجرة.. كما أن صاحب كتاب "كشف الظنون على أسامي الكتب والفنون" قد وثق وجود 20 ألف كتاب تم إنتاجها إلى حدود القرن 17 الميلادي، إلا أن إنتاج المعرفة في عالمنا قد عرف انتكاسة كبيرة في الوقت الذي بدأت صناعة الكتب وتوزيعها تتطور و تزدهر في الغرب حيث انتشرت الطباعة بسرعة في أوروبا بسبب الخلافات الدينية التي تلت عصر الإصلاح الديني وما نتج عن ذلك من تعدد المؤلفات الجدلية.
وهكذا، بعد أن اخترعت الطباعة على يد الألماني يوحنا جوتنبرغ في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، لكن تلك التقنية لم تصل إلى الوطن العربي إلا بعد ثلاثة قرون. وظهرت أول مطبعة في حلب سنة 1706 ثم في لبنان سنة 1733.
قديمًا، كان المؤلف والمطبعة والناشر شخصًا واحدًا أحيانًا، ولم يصبح التمييز بين الناشر والطبّاع وبائع الكتب دقيقًا حتى القرن التاسع عشر للميلاد. وكانت فيينا وفلورنسا وميلان وزيوريخ وباريس ولندن وأدنبره تعد من المدن الأوروبية ذات التاريخ الطويل في النشر. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تزعمت مدن مثل بوسطن وفيلادلفيا أعمال النشر في القرن العشرين، وكانت مصر ولبنان في طليعة البلاد العربية في مجال نشر الكتب، قبل أن تدخل جميع العواصم العربية إلى حقلي النشر والطباعة في وقت لاحق.
ورغم التطور الكبير الحاصل حديثا في مجال النشر خلال الخمسين سنة الأخيرة، فقد ظلت صناعة النشر العربية محدودة وضعيفة إلى أبعد الحدود.
وهكذا، فإن متوسط طباعة العنوان الواحد للكتاب العربي تتراوح بين 5 آلاف نسخة في المتوسط مقابل 85 ألف نسخة لطباعة العنوان الواحد في بريطانيا مثلاً. أما الإنتاج العربي من الكتب فلا يتجاوز 1.1 % فقط من إجمالي الإنتاج العالمي رغم أن السكان العرب يمثلون %5.5 من إجمالي سكان العالم الذي يستهلك نحو 100 مليون طن من أوراق الطباعة سنويًّا يتضاءل نصيب العرب منها بالتأكيد.
وتشير الإحصاءات إلى أن النشر باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية يستحوذ على 95 % من أوراق الطباعة العالمية، بينما تقاسم باقي دول العالم النسبة المتبقية.
ويشهد العالم العربي سنويًّا 16 معرضًا للكتاب وعلى الناشرين توزيع ما لديهم من كتب، بينما يراها البعض دافعًا للقارئ العربي أن يصوم عن عادة شراء الكتب سنويًّا إلا في هذه المناسبات فقط.
بينما نجد وفقًا لتقارير اتحاد الناشرين الأمريكيين لعام 2009 بأن أرباح الناشرين بالولايات المتحدة الأمريكية وحدها قد بلغت أكثر من 24 مليار دولار .
أما عن حجم صناعة النشر في العالم العربي مجتمعًا ومداولات سوق الكتاب فيه بيعًا وشراءً، فلا تتجاوز 4 ملايين دولار أمريكي سنويًّا فحسب.
كما تعاني صناعة النشر العربية من أزمة خانقة تتفاقم باستمرار، بعد أن أصبح الكتاب في رأس سلم قائمة الشطب عند الأزمات، وفي آخر سلم المشتريات في حالة الرخاء!
وتعاني سوق الكتاب العربي من عوامل سلبية عديدة مثل ضعف القدرة الشرائية، وضعف مستوى التعليم والثقافة، واختلاف القوانين المعمول بها، سواء من حيث الرقابة، أو من حيث الاستيراد والتصدير.
وتشير الإحصائيات إلى أنه مع نهاية القرن العشرين، كانت حوالي مليون كتاب جديد تنشر سنويًّا على مستوى العالم.
وتصدر هذه الكتب في أكثر من 20 مليار نسخة، وتحتاج لحوالي 30 مليون طن من الورق، ويكفي هذا الورق لتغليف الكرة الأرضية كاملة سبع مرات.
وتعد قارة أوروبا أنشط قارات العالم في مجال نشر الكتب، وفيها أكثر من نصف المطابع وأكثر من نصف دور النشر، كما يعيش فيها أكبر عدد من المؤلفين في العالم،.
أما أكبر عشر دول منتجة للكتب فهي روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، الصين، كوريا الجنوبية، وكندا.
وبالنسبة لترتيب اللغات التي تنشر فيها الكتب على مستوى العالم فتأتي اللغة الإنجليزية في المقدمة، حيث يصدر أكثر من 60 % من الكتب في العالم باللغة الإنجليزية، ثم تأتي بعدها اللغة الفرنسية، فاللغة الألمانية، فاللغة الروسية، وهذه اللغات الخمس ينشر فيها أكثر من 95 % من الكتب في العالم. وتبقى هناك أكثر من أربعة آلاف لغة في العالم، من بينها اللغة العربية، وتنشر مجتمعة 5 % مما يصدر في العالم من الكتب.
أما حجم ما يصدر في الوطن العربي من كتب باللغة العربية فيشكل 86 % تقريبًا، ويصدر ما نسبته 5 % من الكتب في البلاد العربية باللغة الإنجليزية، ومـــا نسـبته 3 % باللغة الفرنسية، والباقي باللغات الأخرى.
أما الكتب المترجمة إلى العربية فتشكل ما نسبته 11 % من الكتب المنشورة. ويبدو بأن الناشرين العرب مجتمعين لا يصدرون سنويا إلا نحو 7 آلاف عنوان كتاب سنويًا فقط مقابل ربع مليون عنوان كتاب تصدره بريطانيا وحدها سنويًّا.
وفي ظل واقع مزر كهذا الذي تعيشه صناعة النشر وإنتاج المعرفة في البلاد العربية -وما أدراك بالحالة في بلادنا- كيف لنا بإعادة صياغة ملائمة للقاعدة المأثورة قديمًا والتي كانت تقول بأن القاهرة تكتب، وبيروت تطبع وتنشر، وبغداد وغيرها تقرأ؟!