يبدو أن المراقبين للشّأن السياسي في البلد سئموا التّرقب وملوا الوقوف في المكان ذاته، تماماً كما فعلت المعارضة التقليدية التي بدأت منذ انتخاب الرئيس الحالي تبحث عن موطئ قدم لها ضمن النظام الجديد، الذي مازالت كلمات أسراره تُثير الكثير من الأسئلة لدى نخبة اعتادت على التملق الصريح لأنظمة تدفع علناً لمن يواري أخطاءها خلف إنجازات وهمية.
ربما تختلف الأحداث في المؤسسة العكسرسة التي تُدار بشكل عمودي عن نظيراتها في المجتمع المدني الذي تأخذ حركاته أشكالاً متعددة، لذلك على غزواني أن يعتاد على نوع من المرونة التي تتطلبها المرحلة، فموريتانيا الآن بين مفترق طرق يجمع بين الصدمة والترقب الهش، فهي تحتاج لقرارات تنقُل الشعب من حالة الانفجار إلى نوع من الاطمئنان الذي بدت معالمه في الاختفاء مع قرب اكتمال مائة يوم على تولي الرئيس الحالي مقاليد السلطة في البلد.
والمتتبع للحركة البطيئة لعملية الإصلاح يدرك أنها مجرد إرهاصات لآليات وُضعت للتخلص من رواسب العهد القديم التي تُعيق كل حركات التغيير، لتَحكُّمها في جميع مفاصل الدولة الحيوية، وهذا ماأدركه بوتن Poutine موريتانيا الذي قرر تصفية تركة العهد القديم من خلال الشارع.
بدأت معالم تلك الإستراتيجية تتضح مع تعيين حكومة جديدة مع وقف التنفيذ، فمعظم الوزارات لم تُغير طواقمها، الأمر الذي كرّس نوعاً من البيروقراطية التي بدأ المواطن البسيط يشعر بثقلها، رغم الشعارات المعلنة التي تنص على تقريب الإدارة من المواطن، ولا يمكن أن نغفل عملية الدفع المقصودة بوزراء عزيز للحضور بقوة في تدشين المقر الجديد لحزب UPR ، كل هذا في ظل صمت مطبق من الرئيس ورجالاته المقربين منه الذين يسعون لحرق أوراق النظام القديم داخل الشارع قبل إحراقها بصورة رسمية.
خروج وزير التعليم العالي على الابروتوكولات المعهودة في أول لقاء له مع الصحافة لم يعف على إثرهمن منصبه، بل دُفع به إلى الاصطدام بالطلبة لتأليب الرأي العام عليه لتتم تصفيته من خلال الشارع، حيث قرر غزواني وخاصيته تخلص من الإرث العزيزي، والظاهر أن معظم القرارات المصيرية للنظام الحالي تم تأجيلها حتى تتم إزالة واجهة نظام رئيس الفقراء التي أزعجت موريتانيا لأكثر من عقد من الزمن، وهذا أمر قد يستغرق نصف المأمورية الأولى إذا استمر الرئيس على هذا النهج البطيءالذي يعتمد السرية في كل خطواته .
يقول الخبراء الإستراتجيون إن القرارات الفعّالة تعتمد على عنصر الزمن والجدوائية وقابلية الاستمرار، ويبدو أن عنصر الزمن قد يُعيق خطة التصفية عبر الشارع خصوصاً وأن النظام البائد بدأ يلعب على بطء الحركة الإصلاحية في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة، وقد نشهد خلال الأسابيع القادمة موجة من الاحتجاجات يمكنها أن تجعل القرارات الحاسمة خارج إطار الفعالية،لكونها لم تأت في الوقت المناسب، على غرار الخطاب الشهير للرئيس التونسي الراحل بن علي " فهمتكم افهمت البطال ..."
إن استمرارالثنائي عزيز - غزواني في المشهد الموريتاني بعد قرابة 100 يوم من رحيل ولد عبد العزيز يزيد الوضع تعقيداً، وقد يتسبب في نوع من التذمر قد يكون له ارتداداته القوية لدرجة تخرج فيها الأمورعن حسابات الرجلين معاً، ولا أعتقد أن الظروف التي يمر بها البلد تسمح لغزواني أن يحافظ على حركاته البطيئة في تصفية وزراء عزيز من خلال الدفع بهم للمواجهة مع الشارع.
د. أمم ولد عبد الله