ولأن رئيس الجمهورية أبدى ومنذ الوهلة الأولى، خلال حملته الانتخابية وأعلن من بعد في خطاب التنصيب، تعلقه بالثقافة في كل أبعادها، وقد عبر عن هذا الاهتمام بجزالة لفظية غير معهودة وصدق حمولة عارمة، كاشفة النقاب عن أهمية وضرورة العمل على مشغل الثقافة بكل أبعادها سبيلا إلى انتشالها من براثن المتلاعبين والمتهاونين والاستغلاليين لقشور مظاهرها من الطامعين الربحين بلا وازع وطني أو التزام بضوابط أخلاقية تراعي الجوهر والخصوصية والأصالة والجمالية والابعاد التاريخية.
وهو المشغل الملح الذي لا بد أن يبدأ العمل عليه بإيقاف النزيف من الخزينة العامة باتجاه "بؤر" تشفط بعض مخزونها كل عام، وقد أنشئت بالمزاج باسم محاور:
· تثمين وصيانة "المدن التاريخية"،
· تقدير "الثقافة" وتشجيع "الفكر"،
· إحياء تاريخ المقاومة
وهي المحاور الثلاثة التي لم تستند – على الرغم ملامستها شغاف المواطنين وحبهم لمدنهم القديمة وتاريخ إشعاعها واعتزازهم بجهاد أجدادهم - على منطلقات منطقية مدروسة حتى يسهل التلاعب بعناوينها البراقة من أجل تحقيق أهداف غرضية ضيقة يتم على إثرها وبسهولة استنزاف الأموال من الخزينة؛ بؤر تصرف فيها أموال طائلة للتنظيم و تقسيم الجوائز المجاملة من دون مردود من أي نوع يفيد البلد في مساره التنموي المعطل، بل إن النتائج تأتي في أغلب الأحيان عكسية وبالغة الإضرار على:
· المدن القديمة التي تضررت من جراء مهرجانات الضوضاء والتلوث الذين يوثران بشدة على هياكلها التي هد الزمن بعضها وأضعف الآخر، فيما لا يُجني من هذه المهرجانات الصاخبة أي عائد على السكان الأصليين الذين يقدمون مع ذلك للضيوف القليل الذي بحوزتهم،
· الفكر الذي لا يجد طريقا إلى الجائزة التي تسمت بـ"شنقيط " لكثرة الأبواب المسدودة أمامه إن وجد لشدة المجاملات و قلة النضج الذي يضيف و يفيد، وخلو المكتبات أسطع دليل على غياب هذا الإنتاج الذي توزع على إثره الجوائز كل عام،
· الجهاد الذي تحول إلى سوق نخاسة مرخصة وممولة يبيع فيها من شاء صكوك "المقاومة" المنزوعة صبغة "الجهاد" لكل من يدفع على خلفيات قبلية وعشائرية ومزاجية وفق أجندة تجارية تعتمد التحريف والخرافة والمذهب الفلكلوري والتغيب المتعمد والجاهل لمنطق التاريخ الأمين وانعدام المرجعية المكتوبة أو المصورة أو المحفوظة في متاحف تستجيب لتقنيات ونطم المتاحف في كل أرجاء العالم.
إنها محاور حق (إحياء تاريخ المدن القديمة، جائزة شنقيط للفكر والثقافة، تاريخ وأمجاد وبطولات المقاومة) يجنى بها باطل (تمويلات لأنشطة عقيمة، جوائز مجاملة وموجهة) في ظل الحرب الشرعية المعطلة على التخلف والغبن والتباين والإقصاء والجهل والفقر والمرض، وضعف التعليم والغطاء الصحي وغياب الفكر والانشطة الثقافية القاعدية والتوجيهية والمدنية، لا بد من مراجعة سياقاتها وترتيب شأنها ضمن سياسة ثقافية وتعليمية محددة المعالم وبحثية وعلمية مؤطرة ومقننة تعين وترعى الأولويات وضوابط الأطر المناسبة لتناولها بمقتضيات الموضوعية التي تضع الأمور في نصابها وترسم الأهدام وتدد المهام و تستشرف المستقبل الواعي و الواعد بالتوازن و التقدم والازدهار.