/قبل ثلاث و ثلاثين سنة،سنة 1987،زرت دكار، حيث أمضيت قرابة عشرة أيام، على ما أذكر،ضمن مخيم تربوي إسلامي، أوفدتنا إليه "الجمعية الثقافية الإسلامية" وقتها،ضمن تنسيق بينها و جماعة عباد الرحمان السنغالية،المنظمة للمخيم،الذى حضره شباب من عدة دول من غرب افريقيا و الساحل الافريقي،و تم حينها ذلك المخيم، بتمويل من "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" بأبها،فى المملكة العربية السعودية،و كان مخيما تربويا خالصا،أقيم فى مقر "المركز الثقافي الإسلامي" بدكار، الملاصق للجامع الكبير،الذى بنته المملكة المغربية،أيام الحسن الثانى، رحمه الله.
ذات مرة دخلت المطبخ، حيث يتواجد عدد من الشباب السنغاليين،و احتدم بينهم النقاش،على ما أذكر،حول الوضع فى موريتانيا،و لاحظت حساسيتهم تجاه الوضع حينها،و كان ذلك فترة قصيرة، بعد محاولة الانقلاب العرقي فى نواكشوط،من قبل بعض الضباط "اتكارير"،و ظللت صامتا دون تعليق،و استخصلت من الجو، تعرضهم لشحن عرقي عنصري حاد،من طرف جهة موريتانية،معنية بانقلاب 87 الفاشل،و أحسست بقلق تجاه هذه الانطباعات الحادة ضد موريتنيا،التى يرونها عنصرية،و لم تمضى سنتان حتى انطلقت فتنة 1989 فى شهر رمضان!.
ثم جاءت أزمة الأحواض النابضة، سنة 2000 ،مع وصول عبد الله واد لدفة الحكم، و دخلت العلاقات الموريتانية-السنغالية فى نفق مظلم، لم تخرج منه إلا بعد أن أن تم تسفير مئات السنغاليين،ضمن ضغط مدروس على النظام السنغالي،الذى فهم الدرس هذه المرة،و أغلق ملف الأحواض،المدعوم اسرائيليا وقتها.
و تجاوزت العلاقات أزمتها المتجددة،للأسف البالغ،لكن دون الرجوع لما كانت تتمتع به من دفء ،قبل سنة 1987.
و عموما يلاحظ تأثر فصيل منهم، بالشحن العنصري البغيض،من حين لآخر، ضد فئة بعينها،من شعبنا!.
فإلى متى تتبدى نذر التصعيد ضد موريتانيا،بحجة أو بأخرى،و حتى فى المناسبة الرئاسية،إبان الحملة الأخيرة سنة 2019،مع عثمان سونغو،الذى احتل المرتبة الثالثة،و بات خطابه التحريضي،يتمتع تصاعديا بأنصار أكثر،ظهرت نذرها،ضمن الأحداث الجارية هذه الأيام!.
خطاب سونغو المتطرف ضد دول الجوار،و خصوصا موريتانيا و غامبيا و السنغال،حيث يهدد موريتانيا،بإحياء مشروع الأحواض النابضة،المثير للجدل،لآثاره السلبية!،هذا الخطاب يؤكد أن للرأي العام السنغالي، نصيب معتبر من التطرف،رغم ما يروج له من مسالمة الشعب السنغالي الشقيق،و كما يقال فى المثل الحساني المعبر:"إل عظو لحنش خلعو لحبل".
كما أن أحداث 89 و مظاهرات هذه الأيام،من مطلع شهر مارس 2021،و ما تعانيه شريحة واسعة من الشباب السنغالي، من بطالة مؤلمة،ربما دافعة للمزيد من الامتعاض فى الشارع السنغالي،مما قد يعزز فرص الخطاب السياسي المتطرف،فى الانتخابات الرئاسية المرتقبة 2023،و قد يصب من حين لآخر، لصالح العنف و تصاعد احتمال تغيرات مفاجئة، فى تعاطى السنغاليين مع الشأن العام،دون أن يصل ذلك على الأرجح،لانفلات أمني واسع أو انقلاب،لتميز التجربة الديمقراطية السنغالية،مهما كانت عيوبها أو تحدياتها و مخاطرها المختلفة.
و ما بين أحداث رمضان 1989 و الأحداث الجارية، رجب 1442 هجرية، مارس 2021 ميلادية،يمكن قراءة الكثير من المعانى و الدلالات،و خصوصا ضعف الصبر لدى الشارع السنغالي و قابلية اشتعاله و انشغاله بالنهب و الفوضى،و توظيف خطابه،المتطرف أحيانا، ضد بعض الجيران و رعاياهم،و خصوصا موريتانيا.
و رغم أن جاليتنا مازالت أقل تضررا، هذه المرة،لكن ما جرى هذه الأيام من نهب ضد بعض السنغاليين أنفسهم،تجاوز كل احتمال و توقع،و مازال حتى اللحظة الجو ساخنا و متوترا،للأسف البالغ،رغم نداءات الخيرين من داخل السنغال و خارجها.
و رغم حتمية التعايش بيننا و السنغال،و قصة و شعار شعب واحد فى دولتين شقيقتين،و ما يغلب على الموريتانيين و السنغاليين من طابع الأخوة الإسلامية و الجوار الدافئ الطيب الإيجابي المثمر،و رغم أن لكل قوم سفهاء،إلا أن بعض الأصوات المتطرفة القادمة فى الغالب من عندهم،مثل بعض أفكار و تخرصات النائب البرلماني، عثمان سونغو، قد تهدد يوما ما حاضر و مستقبل الصلة و المودة و العلاقات الأخوية الضاربة فى العمق،إن لم يحرص الحكماء باستمرار على ردم هوة و فوهة و هفوة الخلافات و التوترات العابرة،بإذن الله.
و لعل الغاز الحدودي المرتقب و الاقتراع الرئاسي المرتقب كذلك سنة 2023،يثير من جديد هدوء الوضع فى السنغال و المنطقة،لا قدر الله.