مرة أخرى يتطلع سكان مدينة كيفة إلى حضور مسرحية جديدة من مسرحيات الحزب الحاكم، أو إن شئت فقل إن وفد الحزب الحاكم يتطلع لحضور مسرحية ينظمها أطر و وجهاء مدينة كيفة مع بداية فصل الصيف الذي يزيد في العادة من مآسي السكان بشحه و حره .
و مع إعلان الحزب الحاكم (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية) لزيارة وفده رفيع المستوى للمدينة تنادى القوم من كل حدب و صوب شيبا و شبابا، رجالا و نساء و اجتمعوا في قصر المؤتمرات مثلما يفعلون في كل مناسبة، ثم انطلقوا مسرعين إلى المدينة الشاحبة الواقعة على هامش الأحداث بفعل سياساتهم الفاشلة، لكنها ستستقبلهم بعطف و حنان كما تفعل الأم تماما ببنيها حتى ولو خانوا عهودها، و كانوا لها من العاقين .
سيصل وفد حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلى مدينة كيفة .. ثاني اكبر مدن البلاد و اكثرها حاجة إلى البناء و الإعمار .. إلى التخطيط و التنظيم .. إلى الطرق و المدارس و المستشفيات .. إلى الماء و الكهرباء .. إلى تنمية شاملة تأخذ في الحسبان المقدرات الإقتصادية للمنطقة من ثروة حيوانية و مراعي و واحات و أراضي صالحة للزراعة .
سيصل هذا الوفد و ربما استقبلته أنات شعب مسكين عند مدخل المدينة الغربي بوخز الضمير، و أشعرته نظرات شاردة لفتية بائسين عند ملتقى الطرق في قلب المدينة بتأنيب الضمير، و ودعته المباني المهجورة قرب البوابة الشرقية بشيء من الندم و الأسى ..!
سيصل هذا الوفد و سيجتمع "بمناضليه" و سيحدثهم بكل ثقة عن الإنجازات المرئي منها و المسموع خلال السنتين الماضيتين..!
و عن الطفرة الإقتصادية التي يشهدها البلد ..!
و عن السلم الأهلي و الانفتاح على المعارضة؛ و تلك اسطوانة دأب كل موفد من هنالك على ترديدها منذ الاستقلال إلى اليوم؛ حيث يرسم لوحة وردية لوطن يتذيل قائمة الدول النامية ...
إن سكان مدينة كيفة لا يهمهم التشاور و لا الانفتاح، و لا حتى الإنجاز ما لم يكن في الحقيقة يوفر الماء الصالح للشرب و الطاقة الكهربائية، و يوفر فرص عمل تستقطب أبناء المدينة العاطلين عن العمل، المشردين في وطنهم أو المهاجرين (المهجرين) قسرا في سبيل البحث عن أسباب الحياة .
إنهم يتطلعون إلى نظام صحي عصري يعفيهم مشقة الاستشفاء خارج المدينة .. و إلى تعليم جيد يعد مواطنا صالحا، و إلى مدينة مخططة .. إلى ملاعب و شوارع و ساحات.. إلى بيئة نظيفة .. إلى حماية الوسط الطبيعي من العابثين به من الفحامين و القناصين الذين سيحولون الغابات في بضع سنين إلى صحاري جرداء يعز فيها النبات و الثبات .
يزور وفد الحزب الحاكم الذي يتخذ من الجماعات التقليدية سندا و ذخرا -يزور- المدينة ليتطلع على نسبة الولاء بين مناضليه (ناخبيه الكبار) لا إلى أحلام منتسبيه (ناخبيه الصغار) و في ذلك يحيي القبلية و يهيج مشاعر الناس من أبناء الفقراء في اصطفافات لن تفيدهم في شيء .
و كأنه قد استوحى أو ورث المبدأين الاستعماريين "فرق تسد" حين يعمد إلى تمزيق المجموعات من خلال الشحن القبلي و "اجمع و احكم" حين تجد كل قبيلة نفسها و قد أرغمها الطمع في المكسب و المنصب، و أجبرها الخوف من الإذلال و التهميش إلى إعداد "حصرة" يتباهى منظموها بالعدد و ببلاغة أو "بولغة" خطاب الولاء .. و لن تتحدث الإدارة الإقليمية ساعتها عن إجراءات السلامة في ظل جائحة كورونا ، و لا عن ضرورة التباعد الإجتماعي، و ستتناسى أنها أصدرت يوما مقررا يقضي بعدم الترخيص للإجتماعات القبلية .
و سيتحدث وفد الحزب الحاكم و لسان حاله يقول:
إن تنامي الخطاب الفئوي و الشرائحي من مظاهر الديمقراطية الحقة..!
وإن الكرامة تهون وقت المغانم..!
و إن حرية الرأي شذوذ في المجتمعات التقليدية..!
و إن المعارضة جريمة تستوجب التعزير و التكفير ..!
و إن الاستقامة ضعف و هوان ..!
وإن ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية ..!
و إن التنمية قد تتحقق بالأمنيات ..!
وإن قيمة القطيع تكمن في الانسياق خلف الراعي..!
و إن مكر الذئب (السياسي) حكمة و دهاء ..!
إنهم يجتمعون -فقط- يقولون و يتقولون و يصفقون ثم يغادرون المدينة مثلما دخلوها لأول مرة .