بات التساؤل عن مصير ملف التحقيق البرلماني،الذى أحيل للقضاء،محل إلحاح لدى البعض، و استبعاد لدى بعض المحسوبين على ولد عبد العزيز و نظامه،و بعد تعثر وعد الوزير الأول، محمد ولد بلال،الذى جزم برفع الملف لمستوى الاتهام "الأسبوع المقبل"،و مرت أسابيع فى جو من الغموض و عدم الحسم،دون تطور قضائي فى هذا الشأن،لكن رواج أمر تسليم مستودعات عزيز، لدى شركات أهل القده للنيابة،و محاكمة ساركوزى و إدانته،هذه المعطيات الجديدة، ربما كشفت زيف تجميد الملف أو تدخل فرنسا لصالح عزيز و لائحة متهميه.
و يظل من حق الدولة و الشعب التحقيق مع أي مواطن،و خصوصا إذا كانت المؤشرات تدل على تلاعب واسع، مس المصالح العامة فى العمق،و ترك انطباعا داخليا و خارجيا،باستباحة المال العام،للأسف البالغ.
فلزم تحريك المساطر، لإقامة العدل و إنصاف الأمة و رفع سقف سياج مهابة الممتلكات العمومية و الشأن العمومي،و إن كان للأسف البالغ،سوء التسيير عندنا، مرضا مزمنا مؤلما ممزقا مدمرا،يصعب التغلب عليه، إلا عبر تفعيل عدة سبل و طرائق فعالة،بإذن الله.
و إن كان أيضا،من الحزم إجراء هذه المحاكمات لفترة "العشرية"،بطريقة بعيدة عن الانتقائية و القبلية و الجهوية،و غيرها من أوجه الاستهداف الضيق،و لا ينبغى أن ننسى، أن المتهم بريئ، حتى تثبت إدانته أو تبرئته،إلا أن المحاسبة و الردع باتت فى غاية الإلحاح،و على وجه عادل مدروس،و يتفادى التصعيد و الاستفزاز.
و من الضروري التذكير،أن التعسف فى العقاب قد لا يكون ممكنا أو مجديا،لكن ما حصل من استحواذ البعض على مقدرات ضخمة من المال العمومي،لا يمكن إطلاقا التمادى فى التغاضى عنه.
و ليكن فى علم الجميع،أن المسألة أخلاقية قانونية مصلحية،و ليست افتراضا،بهدف الإساءة لزيد أو عمرو،و إنما لأن مصداقية البلاد أصبحت على الصعيدين،الداخلي و الخارجي،على المحك،لأن الشعب و غيره فى الخارج،من الشركاء و المستثمرين و المتابعين،أضحى على قناعة راسخة،بأن الموريتاني،شعبيا و رسميا،لا يتعفف عن سوء التسيير و التلاعب بالأموال و لا يقيم الوزن غالبا للالتزامات المالية.
و أما التفكير رسميا،بأن التطبيع مع الكيان الصهيوني،هو الطريق الأقصر و الأكثر فعالية للخلاص النهائي من أزمة الديون المتصاعدة،فأولا لا أظنه ينطلى على النظام القائم،كما أنه، إن حصل،لا قدر الله،فسيكون دافعا و مولدا،للمزيد من الامتعاض و التبرم الشعبي الواسع،المفضى، لا قدر الله،لضعف النظام،إن لم يكن سقوطه نهائيا،و لا أظن صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى،يقدم على نفق التطبيع المظلم المهلك،مهما تكن مشاكل المديونية و خدع الابتزار الصهيوني،لأن خاطر الشعب الموريتاني المسلم و أولوية القضية الفلسطينية المقدسة عنده،أولى من أوهام الانفراج و خمسة آلاف جرعة من لقاح "كورونا"، بطعم صهيوني ملوث.
و كذلك على رجال أعمالنا الالتزام بألفاظهم فى الصفقات و احترام العقود و المواثيق المالية.
قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ".
إن الحضيض الذى وصلت إليه مصداقيتنا فى المجال المالي،تستدعى الاستعجال فى محاسبات العشرية و رموزها، المتهمين بالفساد على نطاق واسع،و إلا فإن الجميع ،داخليا و خارجيا،سيظل يترقب و يتوجس، مما انتشر و أهمل من التلاعب بالمال العام و استغلال الشأن العام.
و إذا كان ولد غزوانى بطريقة ذكية، صبر على ولد عبد العزيز،حتى جلس على المقعد من بعده،و تصنع الإعجاب بنهجه،فترة الحملة الرئاسية،ثم فتح المجال للبحث و التمحيص،إلا أن هذا قد لا يكفى، على رأي البعض،فى نفض الغبار عن ملفات فساد العشرية.
فموريتانيا زاخرة بالثروات و الفرص الواعدة،لكنها فى تلك "الفترة العزيزية" أنهكت بحق، و نهب و قلة معه الكثير من خيراتها،من برها و بحرها،فأضحت اليابسة ملوثة مشوهة،و البحر الحمد لله فقط على بقاء مياهه،أما ثروته فقد استنزفت مقابل دراهم معدودات،لا تسمن و لا تغنى،بالمقارنة مع الآثار السلبية،حسب دعوى المنتقدين المعترضين،على نهج "الصيد الفوضوي"،إن صحت هذه المعطيات،المروج لها،على نطاق واسع،و التى يود الكثيرون فحصها و تمييز حقها من باطلها،حتى لا يضيع حق، أو يظلم بريئ.
و فى هذا الجو تعمق مطلب تحصين المال العام و التحقيق،بشأن ما حصل من فساد متنوع عريض،أيام "العشرية"،المثيرة بحق،للجدل المشروع.
و لا داعي لأن يغيب عن أذهاننا،أن السجون عندنا،مليئة بمجرمين و لصوص و متهمين،من فئات ضعيفة غالبا،بينما يستعصىى اتهام "الأكابر" و مساءلتهم قانونيا،فهل فضلنا نهج بنى اسرائيل،حيث كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد،و إذا سرق فيهم القوي تجاوزوا عنه.
و أجدنى متفائلا جدا،بأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى و القضاء الموريتاني ماضيان فى المسار التحقيقي و المحاسبي،لكن بحساب و حكمة،بإذن الله.