عندما دعي حزب تواصل الي إقامة حوار وطني شامل عبر وثيقته المشهورة الصادرة عن هيئات الحزب والتي كانت بعنوان "نحو تحول توافقي" رفض البعض تلك الدعوة للحوار حينها، معتبرا أن الوقت ليس وقت الحوار، وأن بلادنا لا تعيش " أزمة" تستدعي اصدار تلك الدعوات للحوار، فيما ظل البعض الآخر مترددا في القبول او الرفض. وبعد أن جرت نقاشات سياسية بينية في داخل الساحة السياسية والإعلامية، واقتنع غالبية الطيف السياسي بأهمية تلك الدعوة للفرقاء السياسيين لحوار وطني شامل، بل وموضوعيتها كذلك، فقد دعي البعض الي وجوب البدأ في إعداد العدة للدخول في هذا حوار الذي دعت له وثيقة تواصل، وفي هذه الأثناء تواردت تسريبات من هنا وهناك، مفادها أن تحضيرات ما، تتم خلف الكواليس لهذا الحوار، وأن تلك التحضيرات تتم بين جزء من أحزاب المعارضة وحزب الإتحاد من أجل الجمهورية . ومما بات من شبه المؤكد أن عملية التهيئة والإعداد للحوار المزمع تتم الآن خلف أبواب موصدة مثل ما أشيع من قبل، في قتل للشفافية المطلوبة إتجاه هكذا قضايا، وأيضا في غياب كذلك لقسم مهم من الشركاء الوطنيين من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، ومن ضمنهم حزب تواصل (الحزب المعارض الأكبر تمثيلا في البرلمان) كما انه صاحب مبادرة الدعوة الأصلية للحوار . وعلي ما يبدو أن عملية التحضير للحوار المزمع، التي كان يفترض أن يشارك فيها جميع الفرقاء بشمولية وشفافية مطلوبتين ، قد تم حصرها في تجمع الأحزاب الممثلة في البرلمان، وذلك برغم أنها لا تشمل كافة فرقاء الطيف الوطني، بل ولا حتي كل الأحزب الممثلة في البرلمان بمن فيهم الحزب الذي يمتلك ثاني كتلة برلمانية وهو تواصل، حيث كان تواصل قد انسحب من هذا التكتل قبل شهور، نظرا لما لاحظه من انحراف تجمع الأحزاب الممثلة في البرلمان عن أهداف التجمع التي أنشئ لأجله ساعتها.
إن احتكار عملية التحضير للحوار الوطني المزمع اجراؤه، وحصر تلك العملية في مجموعة قليلة من الأحزاب السياسية، أمر غريب كما أن الأهداف من ورائه غير مفهومة ولا واضحة، ذلك أن إقصاء جزء مهم وكبير من شركاء الوطن- سياسيين ومدنيين- من المشاركة في التحضير لشأن وطني هام وجامع كالحوار الوطني، هو أمر يفقتد الي العقلانية ولأي مصوغ واضح يبرر فعل ذلك، وهو كذلك عمل مستهجن وغير واضح الأهداف.
ومهما يكن من أمر فإن عدم إشراك كافة الطيف السياسي والمدني الوطني، هو عمل يخفي تحت عباءته تفخيخ للحوار نفسه، بهدف إفشاله والحيلولة دون وصوله إلي ماينتظره منه الشعب الموريتاني من نتائج تخدم الوطن والمواطن الذي سئم مسرحيات الحوارات التي لا تتعدي نتائجها بعض الاحتفالات والخطب الرنانة التي تشفع بها عادة تلك المسرحيات التي تحمل شعار الحوار الوطني فيماهي بعيدة عن ذلك.
ومما لاشك فيه أن "مليفيفة " تحضير الحوار الجارية الآن خلف أبواب مغلقة، بين بعض أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان وحزب الإتحاد من أجل الجمهورية، هي عملية علي ما يبدو أريد بها تفصيل مسبق لثوب الحوار، بما يلائم ومقاس القائمين علي العملية لفرض رأيتهم الخاصة للقضايا الوطنية التي كان يفترض أن يشارك في بلورتها ونقاشها جميع الطيف السياسي الوطني دون إستثناء أو إقصاء لأي مكون وطني سياسي كان أم مدني، أما ماسوي ذلك فهو إخلال بأهم شروط الحوار الوطني بل وضرب له في مقتل حتي قبل أن ينطلق.
الكاتب الحسين ولد النقره