مهما تكن إنجازات مرحلة الاستقلال مع كمال أتاتورك،فقد حركت علمانية أتاتورك الموغلة فى التطرف، صراع الحكومات التركية العلمانية المتعاقبة مع الإسلاميين،مما ضايق و ضيق على الطابع الإسلامي الأصلي لتركيا، و سبب نزيفا فى الجسم التركي، بسبب الخلافات السياسية،و وصل الحكم لاحقا للإسلاميين مع اقتصاد منهك و "ليرة" تعانى بامتياز من آثار التضخم،غير أن السنوات الأخيرة، فى ظل حكم حزب العدالة و التنمية،و بوجه خاص فى ظل حكم الرئيس، رجب طيب أوردغان،شهدت تركيا نهضة اقتصادية و حضارية واسعة، ميزت و رفعت الأمة التركية،وسط الأمم كلها،رغم مشاكل الأقليات و صراعات الجوار،خصوصا فى سوريا.
و لعل الاستقرار السياسي و الاجتماعي فتح الباب واسعا و تصاعديا للتنمية،مما قوى الاقتصاد التركي و فتح المجال لتطوير الصناعات المدنية و العسكرية(و الصناعات جلها صناعات تركيبية)،و هو حال يبرز أهمية الاستقرار فى بناء و ازدهار الدول.
فتركيا حتى الآن رسميا،ليست دولة نفطية و مواردها متواضعة،لكن سواعد شعبها، البالغ 86 مليون نسمة،و إرادتهم الفولاذية و خبراتهم، و استقرارهم،مهما كان نسبيا أحيانا،منحهم فرصة التقدم و المنافسة فى مجالات عديدة.
و لعل "كاريزما" رئيسهم، رجب طيب أوردغان، و الأداء السياسي المتميز لحزبهم الحاكم،حزب العدالة و التنمية.
هذان العاملان ساعدا كثيرا فى تحقيق هذه الأهداف و بروز هذه المكانة ،التى لا تخطئها العين،سواءً بالنسبة للزائرين، أم لمجرد المتابعين للمشهد الإعلامي الدولي.
إن النموذج التركي و أهمية توظيف الاستقرار و الإرادة فى تحقيق التنمية و التقدم، مع التمسك بالهوية الحضارية الأصيلة للأمة،يستحق النظر و الاقتداء.
و كل هذا الدرس يمكن أن يستفيد منه كل متابع،خصوصا دولتنا التى تتمتع، خلاف تركيا، بموارد هائلة،يسافر الأتراك أنفسهم إلى بلادنا للاستفادة منها،و بوجه خاص السمك و الذهب.
و إن كانت الجالية الموريتانية فى تركيا، قد تأسست فى الأصل على شخصيات صوفية "قظفية" موريتانية،هاجرت من موريتانيا إلى تركيا وغيرها،تجنبا لمعايشة الاحتلال الفرنسي،إلا أن الجالية اليوم أضحى وجودها لسبب أغراض متعددة،و هو ما يحتاج التنظيم و التأطير،لتقتبس هذه الجالية من التجربة التركية الواعدة فى مختلف صورها،دون أن يقتصر الأمر أحيانا على جلب شركاء، لا يلتزمون مثلا بمعايير الصيد عندنا،مما قد ينهك،إن لم يهلك، ثروتنا السمكية!.
و إذا كانت تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أوردغان قد نجحت فى توظيف الاستقرار من أجل التنمية،فإن موريتانيا تحت قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى،بحاجة ماسة للتأسى بالتجربة التركية فى هذا المنحى،عبر تغليب التعايش الإيجابي و ترسيخ عوامل الاستقرار،لتكون الأولوية للنماء و البناء،و ينصرف الجميع عن أجواء السلبية و الشحناء العقيمة،إلى أجواء المحبة و التسامح و الإبداع.