كادت حملة التحقيق الجارية ضد ولد عبد العزيز و مشمولين معه فى ذلك الملف، أن يلفها النسيان و ضعف الأمل فى الحسم،لولا تصريح الوزير الأول أمام البرلمان، بأن "الأسبوع المقبل"،سيدخل الملف حيز الاتهام،و إن كان "الأسبوع المشار إليه"، قد مر دون تقديم الملف رسميا للقضاء،إلا أن مؤشرات عدة تدل على جدية هذا الملف.
و تدعو طبيعة الوضعية التى ترك فيها ولد عبد العزيز الوطن، إلى ضرورة التحقيق و المحاسبة القضائية الصارمة،و على الأقل، لإيصال رسائل الردع، للمعنيين بالتلاعب بالشأن العام و المال العام بوجه خاص.
فعلى إثر ما حصل من هتك لحرمات المال العام، فترة العشرية،و بوجه خاص فى حيز عزيز و جماعته الخاصة،أصبحت سمعة الدولة فى مجال تسيير المال العمومي،محل تندر،داخليا و خارجيا،مما يستدعى بسرعة و إلحاح مبرر،ضرورة التحرك لإلجام الأفواه عن الثروات العمومية المستباحة من قبل البعض،و توجيه العقاب الملائم للمتجاوزين،عسى أن يعاد تسوير جدار المهابة و الحصانة على المال العام ،لأنه رأس مال الأمة و وسيلة التنمية الوطنية المأمولة.
و رغم أهمية هذا التحقيق الجارى،منذو إحالة حصيلة عمل اللجنة البرلمانية المعنية،إلا أن تأمين حقوق المتهمين و صيانة الأمن و الاستقرار، يستدعى مراعاة نقاط عدة،أدرى بها الجهات المعنية بالتحقيق،سواءً الجهات الأمنية أو القضائية،لأن الاستقرار هو الركن الأول فى مصالح كل دولة.
إن تعميق معانى المهابة و الحماية للبيضة العمومية فى غاية الأهمية،و لهذا فتح التحقيق،حول ملف العشرية المثيرة،لكن ذلك لن يكون مفيدا و إيجابيا،ما لم يرتبط بإنصاف جميع المتهمين و الابتعاد عن التهور و التصعيد و كل مساس بالأمن و شروط العدل.
و من خلال متابعة الإعلام و ردود فعل الرأي العام الموريتاني،منذو أن أحيلت حصيلة عمل اللجنة البرلمانية للقضاء،يمكن أن نلاحظ بسهولة أن المرحبين بالتحقيقات حول ملف العشرية،لا يقارن عددهم و وزنهم، ببعض النفعيين و المناصرين للروابط الضيقة، المستهزئين بالمصلحة العليا للوطن.
و إن ما حصل فى ملف عملات البنك المركزي المزورة و المتلاعب بها،غير كاف،فالرؤوس الكبيرة مازالت بعيدة عن المساءلة،و إن كانت "تبيبه" أو بعض صغار السماسره افتراضا، لهم دور فيما حصل،فأين "المافيا" التى أمرت و تغاضت و استفادت؟!.
لقد قبع بعض صغار المتهمين فى السجن منذو أزيد من سبعة أشهر،دون اتهام أو محاكمة،و بقي "الكبار"، الذين كانوا يديرون اللعبة، خارج دائرة المساءلة.
و إن كانت المساءلة لا تعنى التجريم،فلماذا لا يستفهمون على الأقل.
و لعله جدير حقيق بنا،أن نتلافى هذا التناقض الفج،و عسى أن لا نقع فى المحذور الشرعي،الذى أخبر عنه محمد بن عبد الله، الصادق المصدوق،عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم!.
فبنو إسرائيل،كان إذا سرق فيهم القوي تجاوزوا عنه،و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد!.
إن التحقيق مهم و ملح و استعجالي،لكن ينبغى أن يتم بتوازن و عدالة،و غير ذلك يسمى "عدالة انتقائية" و استهدافا للحلقات الضعيفة،مما قد يثير الغضب و الاستياء العارم،بل و غضب الرحمان قبل غضب الانسان المظلوم المستضعف.
و بحكم ثقتنا العميقة فى قضائنا،و الجهات التنفيذية،بقيادة صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى،فإننا نرجو سرعة إحالة ملف العشرية لما وعد به الوزير الأول من عتبة الاتهام و التحريك القضائي الجاد،و إقالة المشمولين فى لائحة الاتهام،حيث يدير أحدهم العملاق المعدني، "اسنيم"،رغم ورود اسمه بصورة صريحة و فعلية!،كما ندعو لتوسيع ملف البنك المركزي،ليشمل من تدور حوله الشبهات،بشكل مثير،رغم أنه طليق السراح!.
و ألح على حساسية و خطورة أن تتخذ ملفات التحقيق هذه،طابعا قبليا أوجهويا أو تصفويا، من أي وجه.