صفعة الحَسْم!

أكره ركوب الموج الفيسي ، ولكن..

تابعتُ مثلكم شريط صفع  طالب ISCAE ، وشعرتُ بقساوتها.
تأملتُ الفيديو، رأيتُ شُرطيًّا بداية يُفاوض الطالب مثار الجدل، مُحاولاً اجباره في لينٍ على الامتثال، ثم فجأة صعد زميله ليدخل معه في نقاش مقتضب، برزت منه مُفردة في شكل «صفعة غير متحضِّرة»،.. لم يُحسن الشرطي بصفعته تدبير الوضعية التي أقحم فيها نفسه، ولم يَحسِم بِها المَوقف، فقد ظلَّ الطَّالب نِصف واقفٍ. 

هل استدعتها منه ضرورة مُطلقة؟

قد يَستند الشّرطي على أنَّه عَنَّف لصالح ضبط النظام،.. وهذا كان سيحصِّنه من عدم الشك في وجود دافع شخصي، لو لم يُظهر وحده - من بين زملائه المتفرّجين - مَيْلاً غريبًا وغير مُبرَّرٍ للعنف، يُقارب الإخلال بشروط استخدام القوة، فتصرُّفه لا يتناسب ومُستوى (الاخلال الأمني) الصَّادر عن الفتى في الشريط،..
 فلِمَ لم يقم بتصفيد الطالب مثلا، لنزع فتيل سلوكه الذي يعترض عليه ، ويحمله للمفوضية، ثم يكبله هناك بالقانون، وبما يفترضُ أنَّه بَدَرَ منه لهم، ولمْ يَسْمعهُ المُشاهد..هذا هو الإجراء المنطقي الذي يحترم حدود العلاقة بينهما.

قد يُستساغُ للشرطة بعض "العنف المشروع"، حين تُمارس وظيفتها التأديبية لحفظ الأمن، وللسيطرة على وضع قابل للفلتان أو الإضرار العام، ففي النُّظم الحديثة وحدها الدولة تحتكر حقَّ "العنف"،.. العنف المحسوب والمُقيَّد بالقانون.

 أثار مشهد تعنيف الطَّالب حفيظة المتلقِّي على الشّرطي، ربما لأنه ما كان من اللائق منه تطبيق تقنيات تعطيلٍ، مُصمَّمة للمنحرفين، لشلِّ عناد مراهق جامعي،.. وحتى لوْ فرَّ، لن يشكل فراره خطرا، لا على أمْن أفراد القوة ولا على سكينة المجتمع،.. كان الأنسب استخدام بدائل غير الصَّفع.
طبعًا لم تُوثِّق الصُّورة ما قد يكون الطالب تلفَّظ به سلبًا في حقِّ الشرطة، إن كان فعل، والأكيد أنَّ العنف اللفظي أكثر ضراوة وأشد فُحشا واستسهالاً اليوم من أيِّ وقتٍ سابق، ولم يعد ميزة جَهل ولا وصمة جاهلية. 

سيظل عمل الشرطة  حسَّاسًا ومُزعجا، ما ظلَّتْ وسيطًا بين القانون والمواطن.
وقد ازداد عليها الضغط العصبي منذُ أصبحت في مرمى رقابة وسائط التواصل، بالتصوير والتوثيق،.. لأنها ببساطة لم يعد لها وحدها حق احتكار طبيعة ردود الأفعال، ولا الانفراد بتحديد آليات التأديب والعقاب.

لكن أيضا من المنصف القول إنَّ مهمتها ازدادت تعقيدا،.. فهي إنْ أفْرَطتْ عُنفًا جُرِّمت، وإن فَرَّطَت كَيَاسة خُوِّنتْ، فالشرطة تُواجه الآن ندِّية من المواطن غير مسبوقة عليها،.. راصْ ابْراصْ،  تُريد منه الانضباط، فيُريد منها انضباطاً مُقابلا، تُريد منه الانصياع للقانون، فيُريد منها بدوره الرُّكون لنفس القانون والالتزام بحدوده،.. و"الأطمْ" أنَّ المواطن الطَّماع، وهذا حقه،  يُريدها حينَ تَتَجاوز تُقوَّم تُجاوُزاتها،.. 
على الشرطة أن تستوعب  أن هذه هيَّ المتطلبات الضابطة لعلاقة المواطن بشرطةٍ ديموقراطية.. وعليها الرفع  من مستوى تسليح أفرادها بالثقافة القانونية.

 

الدهماء ريم

خميس, 04/02/2021 - 20:11