في أواسط ثمانينيات القرن الماضي لم يكن في نواكشوط من المدارس الخاصة غير أربع فقط، على ما أذكر، وكان مستوى التعليم المقدم فيها ونوعيته قويين وغنيين إلى حد كبير، ولم يكن التعليم في المدارس الحكومية حينها سيئاً ولا شديد الضعف، وإن كان قد بدأ يأخذ مساره التنازلي ليواصل تدهوره نحو القاع وما تحت القاع.
وبناءً على ملاحظات ومعاينات كثيرة وعلى ضوء ما يذكره الأهالي حالياً حول المستويات التعلمية لأبنائهم في المدارس الخاصة (في نواكشوط)، فإن هذه المدارس التي تكاثرت خلال السنوات الماضية كالفطر حتى باتت تنافس في عددها عدد الدكاكين والمخابز والصيدليات ومراكز الرقية الشرعية.. لم تعد كما كانت من قبل، بل تردت جداً وبات الأحسن من بينها أفضل منه كثيراً مستوى بعض المدارس الحكومية في أواسط الثمانينيات. أما المدارس الحكومية، خاصة بعد بيع عدد منها وتحويلها إلى أسواق، فما عاد أحد يتحدث عنها غير الحكومة وهي تعدّ ضمن إنجازاتها العظيمة تبويب مخصصات مالية لصالح «التعليم» العام، لكن لا أحد من المسؤولين الرسميين يمكن أن يفكر -مجرد تفكير- في إرسال أطفاله إلى مدارس ذلك «التعليم».
وبغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء ذلك التردي، والتي نعلمها جميعاً، فالحقيقة هي أن ما كان قوياً للغاية في وقت سابق من الآن (أي التعليم الخاص)، أصبح رديئاً للغاية وفي أشد حال من الضعف، وما كان جيداً (أي التعليم الحكومي) بات معدوماً في وقتنا الحالي بعد ما أصبح محلا للبيع والاتجار وتمرير الصفقات المشبوهة، وما عاد أداة تعليم وتكوين وتثقيف وإنهاض وتطوير!
في بعض الأحيان يبدو لي قطاع التعليم كما لو أنه قد تعرّض من يومه لضربة نووية مدمرة وماحقة، لكن أي قطاع لدينا هذا الذي لا يبدو كذلك؛ منهاراً وبائساً؟!